09 August 2014

تفاؤلٌ.. وِلادةٌ

نُشر هذا النص للمرة الأولى في جريدة (الشبيبة) بتاريخ 22 سبتمبر 1997م



تفاؤلٌ.. وِلادةٌ

تفاؤل
وإذن.. لكي يتكشفَ جمالُ الحياةِ الدفين، لابد للمرء أن يُخفّض معدلات تفكيره في القبح، ذلك أنّ فنجانَ قهوةٍ في مقهى، يمكن أن يكون مُرّا وباهظ الثمن من زاويةٍ ما، ومن زاوية معاكسة يمكن أنْ يستوعب المرءُ أهميةَ مرارةِ القهوةِ وكيف تبدو لذيذة، وكيف أنّ فنجانا منها أقل تكلفة من سهرة باهتة لا تخلّف في أحسن الأحوال إلا غصة في الحلق!
لابد من ساعة كل يوم يعاين فيها الفؤادُ حركةَ بواخر النفس قبل أنْ يتبخر كل شيء. لابد من ساعة أو نصفها على الأقل حتى تبدو بقيةُ اليومِ ذات شيء من الجدوى والمعقولية.
أيها الفؤادُ لا تركض إلى حتفك بعيون مفتوحة. لا تركض إلى حتفك مغمضَ العينين. أيها الفؤاد انظر قليلا وعاين حتفك ثم حُدْ إلى الطريق الآخر.

من ذا الذي يتمتع بالصلافة المطلقة ليجعلني أصدّق أنه ليس أمامي إلا الحتف؟!
ليلة من الصمت ثم رؤيا تعطرها رائحة صدغ امرأة ترقد بسلام، ومن ثمّ يصبح العمرُ خمرا والوجودُ انتشاءً.

قليل من الصمت يجعل الذات محترمة.
قليل من الحلم المُشتَغلِ على تأسيسهِ يعني اندياحا لكائناتٍ نحبها؛ لامرأةٍ تبادلني المودةَ والرغبةَ في الحياة.
قليلٌ من الحياةِ، إذن، هو جمالُ الحياةِ الدفين.


وِلادة
أيتها الشقيةُ استديري لأخلع وجهي بعيدا عن عينيكِ. لا وجهَ لي سوى وجهك الطاعن في الطمأنينة.
سأدلك إلى أقرب الطرق إلى المقبرة، وسأضع أصابعي بين أصابعك وهي تهيل الترابَ على جثة القلق. و إنْ حَلَبْتِ قطرةً من روحك ليلتحفها الكثيبُ، سأضع شوكةً شاهدةً للقبر، ذلك أننا حين نزورها مطلعَ العامِ القادم سنعود وقد قطفنا منها وردتين وتركنا المزيد للأموات.

سبابتي على شفتكِ السفلى حديثُ عينيك إلى مساميري لتُرَسِّخ جذوري في نفسي.
سأنقلُ الأعشابَ من الحقولِ إلى الوِسادة. أما أعشاشُ الطير فسأوزعها تحت شرشفنا وأحدها بين جوربيك المرخيين إلى جوار السرير. ولأنكِ سبَقْتِنِي إلى زراعة القمح على الشرفة، سأجعل من النافذة غيمةً مطيرة، ومن الإضاءةِ انتفاضةً الواجد. وبضغطةٍ واحدةٍ على الزر الملاصق للحلم، ستنفجر ضحكتُنا المشتركة كموجةٍ نجحتْ أخيرا في تحطيم تلك الصخرة السوداء.

أيتها المجبولةُ من قطنٍ ورائحةِ تفاح: صدري نهر لا يغير مجراه.
أيتها النَدِيةُ: قبعتي منشفةٌ، ولساني حبوبُ لقاح.
أيتها المتدفقةُ: الأرضُ عطشى وأضلاعي مجرى ممهد.
أيتها الأليمة إني ضعيف. أيتها الضعيفة إني أليم. أيها الضعفُ ما ألذَ الوِلادة!

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.