19 August 2014

الفيديو الذي احتفظ به جميع الرجال في هواتفهم المحمولة

كُتبت في 26 أغسطس 2006م. ونشرت في وقتها في مجلة الرؤيا



الزموا أماكنكم يا أيها الجبناء!


من الذي غَرّر بك لتغرر بها؟ من الذي أوصلكَ للقناعة بأن ما قمتَ به أمر بطولي وكانت النتيجة تدمير حياة تلك المسكينة؟ من الذي منحك كل هذا الصَلَـف لترفض تصحيح الخطأ، بل لترفض الاعتراف بأن ما قمت به هو خطأ بشع قد لا يقبل الغفران؟

صُورتُها الآن على الهاتف النقال لدى كل إنسان. فيديو كليب مدته دقيقة وأنتما تمارسان الجنس. أنت الذي يقوم بالتصوير لذا لا يظهر منك إلا جزء محدد من جسدك تظن أنه سر رجولتك، ليتك خُلقت بدونه أيها الوغد! أنت جبان للدرجة التي لا يظهر فيها وجهك أو صوتك في ذلك الفيلم القصير، أما هي فقد حرصتَ أنت على تصوير كل ما يمكن لكاميرتك أن تحصل عليه، شاملاً وجهها بتفاصيله الكاملة، لكي تنشر الفيلم بعد ذلك لمن تعرف ومن لا تعرف وتقول: انظروا، لقد نلت منها، هذا هو الدليل.

نعم، لقد تعرّفَ الناس عليها كما خططت أنت لذلك بدم إجرامي بارد. تعرف عليها أصدقاؤك وعيّروا أخاها الذي هو صديقهم. كَتَم الأخ الأمر متوسلا للآخرين أن يعدموا ذلك الفيديو. الأخ لم يجرؤ على مفاتحة أخته بما شاهده، كان كل ما يتمناه أن لا يشاهد والدهما الفيلم. لكن الفيديو انتشر داخل عمان كلها. "فتاة الولاية الفلانية".. كل عمان تعرف الآن أنك أيها البطل الصنديد قد هتكت عرض فتاة وثقت بك. كل عمان تعرف أنك نذل خسيس حتى وإن لم يخبرك أحد بذلك.. قد يمدحك بعضهم علانية، لكن منهم من يتساءل: هل فكر هذا السافل في أخواته وهل تمنى لهن قَدَراً مشابهاً؟ نعم. هل تتمنى أن تقع أخواتك ذات يوم فريسة لخسيس مثلك يتلاعب بعواطفهن؟ قد تقول أن أخواتك "متربيات أحسن تربية"، نعم هن متربيات وكذلك البنت التي خنت أنت ثقتها ونشرت صورتها. هي أيضاً متربية أحسن تربية ولم تمنح ثقتها من قبل لرجل غيرك. هي متربية للدرجة التي وثقت فيك ثقة عمياء.. لكن الحقيقة أنك أنت الذي لم تتم تربيته جيداً. لقد رباك المجتمع على نحو خاطئ. علمك أن التشهير بالأعراض حق مكفول للرجل، وأن الذكورة تقاس بمقدار ما يهتك الفحل العربي من أعراض وبمقدار البيوت التي تنهار علي يديه!

أنت لست أول من يفعل ذلك. كثيرون مثلك فعلوه. لكن ذلك لا يعني أنك برئ. أنت مذنب بكل سبق وإصرار. أنت مذنب ويجب أن تنال عقابك: أنت خائن للثقة. أنت مذنب بجرح مشاعر فتاة بريئة وثقت بك. أهكذا تكافئها بعد أن خاطرت بسمعتها وحياتها لأجلك؟ يا لك من ناكر للجميل. القاضي يريد إرغامك على الزواج بها، وأنت ترفض محتداً أنها غير شريفة! هل أنت هو الشريف إذن يا أيها الخسيس؟ نعم، أنت لست أول من يتنكر لبنت أحبته ووثقت به. أنت رجل يحميك المجتمع الذكوري إلى حد بعيد، لكن ليس دائما أيها المتغطرس، فليست كل الجرائم تمر بدون عقاب! قد لا يكون الزواج بالفتاة المغرر بها والمشهر بها أفضل حل في العالم، لكنه أفضل حل في مجتمعنا. نعم أنا مع القاضي الذي يحاول إرغامك على الزواج وأنت ترفض بتكبر، ولو كنت مكان القاضي لأجبرتك على الزواج وبعد إتمامه سأودعك أيضاً السجن لكي لا تكرر فعلتك مع ضحية أخرى.
* * *

سيقول البعض أن المشكلة هي في كاميرا الهاتف أو في تقنية البلوتوث. هذا ليس صحيحاً أبداً، فالبلوتوث والكاميرا منتشران في العالم كله ولكن لا أحد مثلنا نحن العرب يوظفهما هذا التوظيف السييء. إن المشكلة في عقلياتنا التي تتعامل مع هذه الأجهزة. إن المشكلة هي في ثقافتنا الذكورية التي تجعل الرجل شبه معصوم عن الخطأ وتكون المرأة هي المخطئة دوما حتى عندما تكون هي الضحية. عندما تسود الثقافة الذكورية في مجتمع ما فإنها تُعلي من قيمة الرجل وتقلل من شأن المرأة. يصبح الرجل متفوقاً في الامتيازات دون وجه حق، وتتحول المرأة إلى أداة بيد الرجل. لماذا تقبل المرأة العربية هذا الدور؟ لماذا تقبل أن تكون أداة في يد شاب لا يتفوق عليها بأي شئ يذكر؟ أنتِ أيتها الضحية التي انتشرت صورتك في الفيديو كليب وأنت في أكثر لحظاتك إخلاصاً لرجل تحبينه، لماذا وافقتِ أن يقوم بتصويرك؟ ألأنك تحبينه؟ ألا تعرفين من هم رجال هذا المجتمع؟ ألا تعرفين أن ثقافة مجتمعهم تيسر لهم سبل النجاة بحياتهم حين تقع الكارثة، وأنك أنت وحدك ستكونين الضحية دائما؟ أنت مغرر بك لأنك صغيرة. مغرر بك لأنك أحببت من لا يستحق حبك. لكنك ستكونين دائما الضحية الأبدية إن ظللتِ مستسلمة لسلطة الرجل عليك. كوني قوية في قول "لا" أمام نزوات الشباب. لا سلطة لهم عليك ولستِ مرغمة لتنفيذ ما يطلبونه. قولي "لا" ولا تسمحي باستغلالك لكي لا تظلي دوما ضحية أبدية. عليك أن تتعلمي كيف تقولين "لا" وإلا سيظل الرجل هو صاحب الامتياز الدائم. سيظل هو من يحدد لك أقدارك ويرتب لك أدوارك شاملاً دور الضحية. قولي "لا" لكي لا تظلي دوماً غير شريفة ويظل هو الشريف والبطل في عيون الجميع رغم أنه هو الآثم.
* * *

أنتَ لست بطلاً يا خائن الثقة..أنت أناني وليس لديك أدنى حس بالمسؤولية. وإذا كان ثمة رجال يشدون على يدك ويثمنون ما فعلته فاسألهم هل يقبلون ذلك في زوجاتهم وأخواتهم. كل واحد منكم أيها الأشاوس النشامى الصناديد يفتخر بأن لديه ثلاثون وأربعون وخمسون عِلاقة. وكل واحد منكم يظن أن زوجته وأخواته في منأى عن إقامة علاقات مع الآخرين. ولكن هل فكرتم أيها الأذكياء أنه إذا كان لكل منكم ثلاثون علاقة، فكيف يمكن أن توجد فتيات لم يلمسهن أحد! يا لتفكيركم المضحك. إنكم تتجاهلون ذلك دون ريب لأنكم غير قادرين على مواجهة الحقيقة. لا تستطيعون تصور أن تكون قريباتكم مغرراً بهن كما تغررون أنتم بقريبات الآخرين! إن المشكلة ليست في العلاقة إذا كانت برضا الطرفين، المشكلة هي في استغلال طرف واحد لتلك العلاقة أبشع استغلال. أنتم أيها الاستغلاليون لستم أبطالا ولكنكم فزاعات مملوءة بالقش. أنتم بشكل ما ضحايا ثقافة ذكورية غررت بكم وألبستكم ثوب بطولة وهمية. أنتم لستم أبطالا حقيقيين، كما أن كونكم ضحايا لا يغفر لكم جرائمكم، إنه لا يمنع أن تكونوا مجرمين. إنكم حين تلتقطون صورة الفتاة فأنتم تفعلون ذلك بنية مبيتة لنشر هذه الصور لاحقا. أنتم تكذبون على من أحببنكم بقلوبهن الصادقة وتضمرون الخيانة والغدر بهن. إن الخيانة في دمائكم، والطعنة من وراء الظهر تفعلونها بدم بارد وبلا حس بالمسؤولية. ثم أنكم تتهربون حين تقع المشكلة وتدّعون البراءة وأنكم الضحايا. لكنكم لستم ضحايا هذه المرة.. هذه المرة أنتم صناع الجريمة وأنتم من يحق عليكم عقاب المجتمع. أنتم تستحقون عقابا يعادل بشاعة جرائمكم. إن المرء يتمنى إدخال تشريعات جديدة في القانون لمواجهة مثل هذه الجرائم المستحدثة، فالتشهير بشرف البنات في مجتمع كمجتمعنا لا يقل بشاعة عن الاغتصاب في آثاره التدميرية المزمنة. بقدر ما يتمنى المرء أن ينال القانون منكم غير أن الردع الحقيقي لا يبدأ بيد القاضي، إنه يبدأ بالفتاة العربية نفسها. إنه يبدأ بمقدرة هذه الفتاة على الرد على من تسول له نفسه منكم الاعتداء على كرامتها، وأن لا تمنح نفسها طُعما سهلا لأحد منكم. إن عقابكم يبدأ بانقلاب الفتيات عليكم ورفضهن أن تكونوا متسيدين عليهن بعد الآن. إنْ لم تصل الفتاة العربية على هذه القناعة فأنتم ستستمرون في طغيانكم الأبدي، لا القاضي يستطيع أن يوقفكم، ولا الأعراف والتقاليد. لا أحد غير الفتيات الشجاعات أنفسهن يمكن أن يعدلن من أوضاعهن بأن يقلن لكم في الوقت المناسب: كفى، الزموا حدودكم أيها الذكوريّون، أنتم لا تدينون لنا بشيء وليس لكم فضل علينا. كفى. الزموا أمكانكم يا أيها الجبناء.


هامش:
الذكورة X الذكورية
الذكورة: أن يكون جنس الإنسان ذكرا
الذكورية: هي حالة الإعلاء من شأن الذكور في مقابل التقليل من شأن الإناث. وهي أيضا سيطرة الذكور على مجتمع ما اعتقادا منهم أنهم أفضل من الإناث.

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.