03 December 2014

تكلمتُ الليلة كثيرا

تكلمتُ الليلة كثيرا



ما زلتُ مستيقظا أيتها الصامتة، وفي جوفها بركانٌ من التناقضات.
ما زلتُ مستيقظا، وفي يدي مُدية وأنا أبحث عن البرئ--الأكثر براءة، الجدير بأن أغرسها في قلبه.

ما زلتُ مستيقظا، لكني الليلة بالتحديد تكلمتُ أكثر مما ينبغي.
أخبرتُ الطيورَ أنني أنوي نتف ريشها لو مجرد فكرت أن تزقزق حول نافذتي صباحا!
أخبرت الرفاق أنهم بلا جدوى بعد 11 ليلا، فأي فيلم أمريكي تافه يمكن أن يعوضني عنهم.
أخبرت العاهرات أنني وصلتُ سن الفطام، وأن الوقت قد تأخر ﻷشتهي أحمر الشفاه الفاقع.
همست لصديقتي المقربة أنني أكذب عندما اقول أنني أحب عينيها، فأنا أحب عدسات عينيها اكثر.
أخبرت حذائي أن السير حافيا لم يعد يؤلمني.
أخبرت الرجال العواجيز حولي أن النبيذ مفيد للروماتيزم، وأن انحناء الظهر أجمل من التفكير بشراء تابوت أو كفن.

تحدثتُ اليوم كثيرا.
تحدثتُ لطالبة جامعية أن سر النجاح هو أن تتوقف عن الكتابة إليّ بين المحاضرات.
وتحدثت ﻷمي -كاذبا، كي لا أقلقها- أني اتخذت كل الاحتياطات لكي لا أصاب بالسكري او ضغط الدم.
كما تحدثت لنجوم السماء أنني لا أصدق مزحة إعصار نيلوفار.
أنا صاح أيتها البعثرة الكونية.. ولكني لن أتحدث الآن ﻷحد..
فقد تحدثتُ الليلة أكثر مما ينبغي.
تحدثتُ لجميع الكائنات.
وبقيتُ، كالعادة، صامتا كالصخرة الملساء أمام نفسي!

01 December 2014

يا شوقي لأيامي.. تسريبي وتغديبي

يا شوقي لأيامي..


في منتصف التسعينيات إلى السنوات الثلاث الأولى من القرن الحادي والعشرين، كانت حانات مسقط قليلة.
وجهة الشعراء والكتاب وبعض الفنانين الرئيسية كانت حانة تشرشل بفندق الهوليداي إن بالخوير.
روادها كانوا ثابتين.. هم أنفسهم تقريبا في كل ليلة، عدا نزلاء الفندق من السياح.
كانت هناك شلة مزعجة من الشباب تقتعد كل ليلة إحدى طاولات الحانة. ربما ذات الطاولة إن لم يسبقهم إليها أحد. عندما يسكرون يبدأون بغناء أغنية عجيبة الكلمات بصوت أجش. أحدهم كان صوته عاليا جدا ونشازا جدا ومنفرا جدا، لكنه كان يقود قطيع السكارى حين يبدأ يغني: "يا شوقي لأيامي. تسري بي وتغديبي. وأنا على سرجها.. تتحطم أعصابي".
كنت ورفاقي، ندماء الطاولة القريبة، نبدأ بالضيق من هذا النهيق. لكننا نبتلع انزعاجنا لكي لا تحدث مشكلة، ولتمر الليلة بسلام.
كان نهيق هؤلاء السكارى بأصواتهم النشاز يتعالى دوما آخر الليل بهذه الأغنية، وهي أغنية لم أكن أعرف من يغنيها.
قبل قليل..
قبل قليل فقط..
اكتشفت أنّ هذه الأغنية لميحد حمد! بمحض الصدفة وأنا أسمع أغان أخرى لميحد على اليوتيوب. إذا بأغنية (يا شوقي لأيامي) يتضح أنها لميحد! يا لها من لحظة في الحياة!
تلك الربشة آخر الليل لحفنة من السكارى في حدود عام 1998 إذا بها تعود لمسامعي دفعة واحدة. تعددت الحانات الآن وتفرق الرفاق والصحاب والأعداء، بل إن بعض الندامى قد ماتوا. وها هي الأغنية تقفز من جديد. ولمن؟ لميحد حمد، حقيقة أعرفها للمرة الأولى!
استمعت للأغنية للتو. كلماتها غريبة جدا، وجميلة. وإيقاعها غريب للغاية. لا أعرف ماذا يسمى. ولا تستحضر ذاكرتي أغنية أخرى لميحد بهذا الإيقاع.
إنه كشف من زهو الشباب ينفتح علي وأنا في الحادية والأربعين من العمر. كنت أعرف أن الأربعينيات هي النسخة المكررة بشكل أجمل من العشرينيات. نفس الرغائب والميول، ولكن بخوف أقل من المستقبل، وبتشويش أقل.
ليس لي سوى أن أترك نفسي مع (يا شوقي لأيامي). وأنا أردد مع أؤلئك السكارى المزعجين (الذين ربما أتمنى عودتهم لليلة واحدة فقط من العمر بعد غياب 15 سنة من آخر مرة أسمع فيها أصواتهم)، أردد بنحيب: يا شوقي لأيامي.. تسري بي وتغديبي.. وأنا على سرجها.. تتحطم أعصابي!