30 December 2015

صداقة في الهواء الطلق

صداقة في الهواء الطلق

يمتزج صوت تساقط أوراق الليمون الجافة –من الشجرة التي تبعد عني ثلاثة أمتار فحسب- بصوت زقزقة عصافير على مبعدة عدة أمتار، متخذة من النخيل الشامخات مَواطنَ آمنةً لها. ومن البعيد يأتي متقطعا صوتُ آلة حفر مزعجة (لكن لي من العزيمة ما يجعلني قادرا على تجاهلها). أما أصوات السيارات فـ بالكاد تهتم لها أذني. إن ما يأخذني حقا هو نسمات الهواء العليل حولي، فأنا أكتب لأول مرة في حياتي في الهواء الطلق.



في الهواء الطلق سأتحدث عنكِ أيتها الصداقة. سأناجيكَ أيها الشعور بالتناغم مع كل شيء حولي. في هواء المحبة النقي أقدم نفسي قربانا لمتعة الروح ونعيم الجسد المتخفف من الأثقال. أنا أجلس في زاوية منزلي التي يسمونها في أوراق البلدية "ارتدادات"، حيث لا يتردد عليّ هنا إلا كل شيء جميل. يروح النسيم ويجئ، وتتمايل وريقات الشجيرات المزروعة في الأحواض (إذ لا مجال لغرسها في التربة لضيق المساحة). أما أصوات الطيور بشتى أنواعها فهي تتراقصُ معلنة تكوين العلاقات والدعوة لتأسيس الشراكات. إنها روح الصداقة تهفهف من حولي. ربما أشعر بحاجتي لصديق يجلس معي على هذه الكنبة، لنفتح صدورنا لبعضنا ونتشارك أقداح الشاي ذي الرائحة العطرية—الشاي الذي لا يحلو إلا مع الأصدقاء. ربما أحتاج لصديق الآن، ولكن لا بأس إن لم يكن أحدهم متواجدا حولي هذه اللحظة (فليس الجميع في إجازة سنوية مثلي)، ولكن ذلك لا يهم، فإن غاب الصديق فالصداقة حاضرة. إنها حاضرة بقوة الآن بكل دفئها وبهجتها وحميميتها ونجومها اللامعة.

أكتب لأول مرة في الهواء الطلق، بعد أن تم كل ما كتبته من قبل في حياتي في غرف مغلقة: حجرات منزلية، مقاهٍ و حانات، ومكاتب عمل. هذه المرة أكتشف لذة الكتابة في الهواء الطلق. لا شيء أجمل من هذا الجو ليتنفس فيه المرء هواءً عليلا؛ لا باردا ولا حارا. لا شيء أجمل من حديقة منزل صغيرة حتى يشعر المرء أنه في مملكة يحسده عليها الآخرون. لماذا تأخرتْ ستة أعوام كاملة مسألةُ جلبِ كنبةٍ مريحة وطاولة صغيرة أضعهما في ناحية البيت لأجلس وأستمتع بالحياة من حولي؟ لماذا ضاعت خمسة فصول شتاء ومثلها من فصول الربيع القصير قبل أن يَهديني عقلي لفكرة أنّ حياتي ممكن أن تصبح أحسن بكثير بمجرد الجلوس ساعتين نهارا في حوش البيت الظليل؟ لاشك أني انتبهت لأهمية هذا الأمر الآن فحسب لأنني الآن فحسب قد قررت أن أعيش حياتي بمتعة كاملة. أريد لسنواتي القادمة أكبرَ رصيدٍ من المتعة والمحبة. أريد أن أستمتع بصداقاتي وأحاديثي ومشروباتي وأطعمتي وعلاقاتي (ما ظهر منها وما بطن). أريد للمحبة والرغبة في الحياة أن تكون قرونَ استشعاري لمناطقَ الجمال في كل شيء. فيكِ أيتها الضحكة سأبث بذور انتشائي، ويا أيتها النكتة فلتظلل غيومُ بهجتك كل رفاقي ومعارفي. ويا أيها الحضن فلتتشرب كلَّ ألمٍ أو لحظةِ حزنٍ وتأخذها بعيدا عن نفوسنا. فلتمتص في جنتك –أيها الحضن- أيةَ شوكةِ سوءِ تفاهمٍ نبتت بالخطأ في الدرب الوارف بالتفهم وحسن النية. ويا أيتها اليد الحانية فلتتشابك أصابعك بأصابعي لنؤكد أننا معا أكثر صلابة ضد صعوبات الحياة. ويا أيتها القُبلة لا تخجلي من نفسك، فأنت قِبلة المُريد لصفاء الروح ونعيم الولع. ويا أيها الكِتاب فلتفتح صفحاتك للمعرفة والتجارب المثمرة، ولتغرقي نفوسنا يا قصائدُ و روايات بخفقات من النور تجعل قلوبَنا تنبض من جديد.

عنكِ أيتها الصداقة أتحدث في الهواء الطلق، حيث كلي رغبة في التسامح. كلي رغبة للتصالح مع الكون كله. أريد أن أتصالح مع جسدي فأرمم ما أفسده تجاهل الماضي له فباء بآلام الأسنان وأمراض العصر. أريد أن أحبكَ أيها الجسد لتحملني بخفة إلى القادم السعيد من أيامي. أريد ألا أحصر متعتي فيكَ أنتَ وحدكَ يا مائي المقطّر بعناية، فليكن الشاي العطري –مثلا- زهرة جديدة في باقة اللذة. فليكن المقهى في الهواء الطلق—وليس بالضرورة الحانة الغالية المفتوحة على بركة السباحة. فليكن الفرح في كل شيء، وليتمرءى بكل الأشكال: في المزيد من ضحكات طفلتي وهي تقول لي : "بابا انته تضحكني". فليكن فيكِ وأنتِ تكتبين لي –مشاكِسةً- "فديتك"، وأنا أجيبك: "لا تكرري ذلك غاليتي فما أسرعني في التصديق". فليكن في عصفورٍ حط على النافذة و فرّ قبل أن ألحق بتصويره. فليكن، الفرحُ، في أغنية صغيرة ترسلها لي بصوتها صديقة من البعيد لتشاركنا جلسة طرب لم تتمكن من حضورها. فلتجئ، يا أنتَ أيها النور السامي، على هيئة أيقونةِ قلبٍ خافق يبعثها لك -بإحدى برامج التواصل الاجتماعي- إنسانٌ يفتقدك من مكان ما في هذا العالم. فلتكن حتى فتاةً تحب تدخين الشيشة أجالسها وهي تنفخ دخانها في وجهي لأنها تحب القيام بذلك للمرح. سأجد في هذا لذة بلا ريب. سأجد لذة حتى في بكائكِ عندما يكون صدري هو المكان الوحيد الذي اخترتيه من بين كل صدور الرجال في الكون لتدفني فيه أوجاعك وترميها إلى يوم يبعثون. في الهواء الطلق سأتنفس كل هذا، وسأكتب عنه -عائدا للكتابة- بقلب يمد يديه للعالم للعناق. "سأسمي الذي ليس شَعبيْ.. شَعبي"، وسأخطو بروح مهفهفة إلى حضنكِ النبيلِ الحميم، أيتها الصداقة؛ يا كنزَ الحياة الأثمن.



07 October 2015

سأعيش كما أشتهي

سأعيش كما أشتهي



يا حراسَ النوايا.
سأعيش كما اشتهي.
كما أشتهي أنا فحسب. ولن أعبأ بكم.

سأقول لحبيبتي أنها الأجمل دوما، حتى ولو فرقنا الزمن وغيّرت الشيخوخة ملامحنا.
سأقول لكل انثى نبيلة أنتِ حبيبتي. من الباطنة كنتِ أم من عبري الواعدة. من الفيسبوك ام سنابتشات ام من حلّة الشمامير. أنتِ حبيبتي لأنك رائعة.
وللتي طلبتْ مني ان اشتري سوتياناتها على ذوقي.. سأفعل بكل سخاء قلب.
وللعذراء سأهب آخر نَفَس في حياتي، حتى تظل عذراء وهي معي. وإنْ حاول غولٌ انتهاك عذريتها، فليعلم أن حمم الجحيم ستُصَبُّ على رأسه.
لذات الصدر الكبير أعتذر: لا استطيع سوى أن أحبها.
لذات الصدر الصغير أعتذر، ليس بوسع صدري الكبير سوى أن يحتويها. أعليّ أن أعتذر بسبب هذا؟!
للعذراء أعتذر. للمتزوجة أعتذر. للمطلقة أعتذر. للأرملة أعتذر. أعتذر لأنني لا أملك سوى أن أحبكِ، حتى ولو لم يكن الوقت مناسبا للحب.
لحليقة العانة أعتذر. للحائض أعتذر. لذات الشعرتين البريّتين حول الحلمة أعتذر. للتي ترهّل بطنها أعتذر. للتي استدارت مؤخرتها -كرغيف عربي ساخن- أعتذر. للعشرينية اعتذر. للثلاثينية والاربعينية اعتذر. للخبيرة و المبتدئة أعتذر. أعتذر أنني لن أفي بوعدي.. لن استطيع سوى أن أحبكن جميعا.
"خايف أوعدك ما أوفيش
أقولك فيه.. تلاقي مافيش"
سأعيش كما أشتهي. ولا شهوة لي إلا ان أعيش لأنكن موجودات في حياتي. لذا.. انا احبكن جميعا.

سأعيش حرا كما اشتهي.. لأن حياتي هي ما تهِبُهُ حيواتكن لي.
أنا لستُ سوى فيض أنفاسكن الحرة. لذا سأعيش حرا.. حرا، كما أشتهي.

16 September 2015

بلا عنوان

لم يتذكرني أحدٌ طوال الليل
ولو حتى برسالة واتساب!
بينما كان قلبي يوزع الأحلامَ السعيدة
على النائمات الآمنات في أسرتهن الدافئة.

لن يعرفن في الصباح
أن تنهيدتهن الحالمة -وهن ينقلبن بهدوء أثناء النوم-
سببُها قلبي الخافق تحت وسادتهن.

ليس ضروريا أن يعلمن شيئا عني
المهم أن ينمن هانئات مطمئنات.

حينها.. ليس ضروريا أن يتذكرني أحدٌ
ولو حتى برسالة واتساب!


31 August 2015

لا ترتدي الكورسيه. أرجوكِ!

لا ترتدي الكورسيه. أرجوكِ!





لستُ على استعدادٍ للحبِّ.
لستُ على استعداد لأحبَّ الآنَ، فأنا محبوبٌ –سلفا- من قِبَلِ ثلاثِ يماماتٍ.
وأنا مهووسٌ بيماماتي. يمامةِ حزني، يمامةِ حضني، يمامةِ شطآني.

لماذا الحبُّ يداهمني الآن—وأنا أخطو نحوَ الذاكرةِ المفقودةِ؟ أذهبُ للفقدانِ، الأحزانِ، النسيانِ، الحرمانِ، الضعفِ الجنسيِّ، الفنتازيا. أذهبُ للكهف كما شِعْرٍ يكتبه سماءُ العيسى! أذهب للشعر—كـ "هسهسةٍ تخرجُ من تابوتٍ". أذهب للكهف الأنبلَ، إذ لا شيء هناكَ سوى توقيعِ يديَّ على الجدرانْ! لا شيءَ هناك من الزخرفِ. وليس هناك سوى ظلي منعكسا في الجدرانِ. ليس هناك سوى خوفي يرقبُ أطيافا تتماوجُ حولي. يمامةُ حزني، يمامةُ حضني، يمامةُ شطآني. ثلاثُ يماماتٍ تمرحُ في جدران الكهفِ، ولا شيء لديّ سوى توقيع يديّ على الجدران!

لستُ على استعدادٍ للحبِّ. كل حبيباتي في قلبيْ –الأكثرُ موتا منهنّ، والأحياء-.
الأكثرُ إيغالا في الذكرى، هنّ الأبقى، فأنا أيضا شبحٌ مخفيٌّ إلا في (وجهِ كتابٍ). وجهٌ أتمرأى فيه أصيلا، بعذاباتي، ونداءاتي، والحزنِ الطافحِ في عينيْ. إني مرهونٌ للماضي، هل يخرجني من تابوتي (وجهُ كتابْ)؟
إني مخفورٌ بنهودٍ تحرسني حتى السجنِ. بنهودٍ أتهجّاها طفلا لن يُفطمَ يوما. بنهودٍ تسجنني في (وجهِ كتابٍ) لا أقرأه. كتابٍ ينقصه الحرفُ كما ينقصه التلوينُ. فأنا أيضا شبحٌ مخفيٌّ تحرسه نهودٌ لا أقطفها. تَصْنَعُهُ دموعٌ أقطفها وأحنّطها بالشمعِ وبالغفران. محروسٌ بنهودٍ تصبحُ دمعي، فأنا لا أعشق إلا الدمعَ. لا أعشق إلا المحزوناتِ –كحالي-. لا أعشق إلا المكسورات كقلبي. المجروحاتِ كفشلي في أنْ أصبحَ فنانا. لا أعشقُ إلا من يتقيأن بدربي وأنا آخذهن لبيوت أهاليهنّ تلايا الليلِ. لا أعشقُ إلا من يحببن رجالا فاقوهن العمرَ بجيلٍ أو أكثر. لا أفتحُ قلبي إلا ليتيمةْ. لا أعرف إلا عذراواتٍ آثرن تجاهلَ زملاءِ الدرسِ—واخترنَ رجالا بدأ الشيبُ يخطُّ مآقيهم. لستُ على استعداد للحب سوى ما يوقظ عصفورا أخضرَ في القلبِ. لثلاث يماماتٍ أشهد أني منثورٌ –كغبار النجمِ- بين حناياهنّ، ثناياهنّ، وحولَ خطوطٍ تتماوجُ بين الزرقةِ والخضرةِ بكتابِ الثدي. أهو الثدي الأيمن يأسرني أكثرَ أم ما تحتَ الحلمةِ؟ لن أذهبَ في القولِ بعيدا يا مِقْصَلتي، فأنا لا أعشقٌ إلا الدمعَ. لا أعشق إلا المحزوناتِ –كحالي-. لا أعشق إلا المكسورات كقلبي. لا أعشق غيرَ ثلاثِ يماماتٍ مكلوماتٍ، وأنا العشُّ الأكثر حزنا. يمامٍ يتهادينَ على جدرانِ الكهفِ الأنبلِ، إذ لا شيء هناك سوى توقيعُ يديّ على الجدرانْ! 

لستُ على استعدادٍ للحبِّ.
فأنا مهووسٌ بيماماتي. يمامةِ حزني، يمامةِ حضني، يمامةِ شطآني.

26 August 2015

لماذا لم يعجبني جهاز الآيفون؟

لماذا لم يعجبني جهاز الآيفون؟


قد يتصور البعض أنني تخلصت من الآيفون6 لأنني لم أعرف كيفية استخدامه. ليس الأمر كذلك، فأنا أزعم أني سريع وجيد في استخدام مثل هذه الوسائل والتطبيقات. حسنا، تراجعتُ عن الجهاز لأنه ليس الجهاز الأمثل لذائقتي واحتياجاتي. إنه جهازٌ لمُستخدِمٍ آخر، وليس لي.

سأقول أولا أنني اشتريتُ الجهاز بسرعة نفورا مني من بعض مشاكل التحديث الجديد في نظام أندرويد (المسمى لولي بوب)، فقررت عدم شراء جهاز يعمل بنظام أندرويد لفترة، حتى تنزل أجهزة بنظام (أنرويد أم، أو يحلوا مشاكل اللولي بوب). بترك نظام أندرويد ورائي، يتبقى لي فقط نظام آي أو أس (الآيفون)، وأجهزة الويندوز فون، ومعروف أن أجهزة الويندوز فون الجديدة المنتظرة لم تنزل بعد للأسواق. لذا كان الحل السريع هو شراء الآيفون.

هنا سأقول ما أعجبني وما لم يعجبني في الآيفون من تجربة 4 أيام فقط، لعل في هذا معلومة تهم أحدا.. وفي الحقيقة فقد طلب مني صديق أن أكتب تجربتي عن الآيفون في الفيسبوك.

أحببت في الآيفون 3 أشياء بقوة:
1 الأمان، متجسدا ذلك في عدم سماحه بتنزيل اي برامج مشبوهة. ويتجسد أيضا في البصمة.
لن يرقى جهاز لمستوى الأمان الشخصي الذي يقدمه الآيفون (رغم اختراق سحابته من قبل هاكرز)
 المُساعد الشخصي سيري وخدماتها الجليلة
3 نقاء الشاشة حتى في الاضاءة القوية. فعند تشغيل فيديو في الشمس يكون بنقاء تشغيله داخل الغرفة.

كرهت في الآيفون ما يلي:
1  لا توجد الـ (واو) التي يتحدث عنها الجميع. لا شيء مدهش جدا أو يستحق كل ذلك الضجيج. لا شيء يبرر طوابير الذين يسهرون أمام المتجر 48 ساعة ليكونوا أول من يشتريه عند نزول نسخة جديدة منه. إنه نجاح تسويقي لا أكثر.
كل تطبيقات الآيفون متاحة في بقية الأجهزة. وثمة هواتف تفوقت كاميراتها عليه، كما تفوقت بعض الخدمات التي تقدمها. صحيح أن هذا الجهاز هو الرائد في ابتكار معظم التطبيقات التي تتبعه فيها الأجهزة الأخرى، ولكن هذا لا يعنيني كمستخدم في شيء طالما تُوفر الأجهزة الأخرى نفس خدماته (وبسعر أقل).
إن سقوط أكذوبة الـ "واو" هو أكبر أمر صادم بالنسبة لي. فلنقل أن رفض الآيفون هو مسألة أخلاقية بالنسبة لي في المقام الأول. إذن ببساطة، لماذا هو الأغلى؟ مجددا، إنه نجاح التسويق لا أكثر.
 2  كرهت عدم إمكانية نقل محادثات الواتساب القديمة إليه. فهي أثمن عندي من أنْ اخسرها. حاولت بكل الطرق. اشتريت برنامجا بـ 12 ريال يزعم أنه يستطيع نقل محادثات الواتساب من أندرويد لآيفون. فشل البرنامج في أداء عمله ولم يتعرف على الآيفون عند توصيله به!
إن الاحتفاظ بأرشيف محادثاتي هو أهم لي من أية ميزة كانت يستطيع الآيفون توفيرها، حتى لو كانت البصمة أو سيري.
 3  بم أُحْبِب طريقة اتصاله بالحاسوب لتبادل الملفات. أفضّل طريقة الأندرويد التي تعامل الهاتف كانه (درايفر) أضيف وأعدل فيه. أعرف أن طريقة الآيفون في النقل منه وإليه أكثر أمانا، لكنها أكثر تعقيدا. وشخصيا أنا شخص حذر بما يكفي في تعاملي مع نظام أندرويد، لذا لا أحتاج كل هذا الحرص الذي يقترب من الحجر علي في تبادل ملفاتي بين الحاسوب والهاتف.
4 آيفون6 كان صغيرا على يدي. لربما او كنتُ اشتريت آيفون6 بلص (الأكبر) لكان الأمر أقل في المعاناة.

والآن؟
لن اشتري أي جهاز حاليا. وسأنتظر طويلا الخيار القادم.
لقد عملت فورمات للنوت 3 وسأواصل معه حتى إشعار آخر.
واصبر على مجنونك لا يجيك الأجن منه.

09 April 2015

صفحة غير مطوية من ذكريات الطفولة

صفحة غير مطوية من ذكريات الطفولة



إلى أطفال زهران القاسمي (هنيئا لكم قريتكم الجميلة)

ليست لدي ذكريات سعيدة تعود لفترة طفولتي، ولكني أثق أن طفولتي كانت (سعيدة) كأي طفل آخر عاش في زماني ومكاني. سر سعادتنا كأطفال هو في براءتنا، وهي كلمة ملطفة لمفهومَيّ الغفلة والجهل. نعم، فما يجعلنا أبرياء هو أننا نغفل ما يدور حولنا. أننا جاهلون به. جاهلون بمعاناة آبائنا لتوفير لقمة عيشنا. غافلون عن المعارك الدائرة في المجتمع حول المصالح والمنافع المختلفة. ومع هذه (البراءة) فلا تحمل ذاكرتي لحظات سعيدة، لا لأنني لم أعشها، ولكن لأننا لا ندرك أننا سعداء إلا بعد أن تنقضي اللحظة التي كنا نحس فيها بالإشباع والرضى. ربما كانت الطفولة أبعد من أن تستطيع ذاكرتي الواهنة استعادتها، فلا أتذكر إلا شذرات قليلة. على أية حال فإن لدي ذكريات سيئة من فترة مراهقتي، كون المراهقة هي فترة عنف عاطفي/وجداني وصدام مع المجتمع المحيط. لا أريد أن أتذكر فترات سيئة، وكم أتمنى لو أنّ ذاكرتي تسعفني بتذكر شيء سعيد من طفولتي. ورغم فقد الذاكرة هذا، فقد استيقظت اليوم بحلم ملئ بالحنين إلى الطفولة.

رأيت فيما يرى النائم منطقة مليئة بضواحي النخيل المقسمة لملّاك مختلفين. المنطقة تقع خلف بيت طفولتي بمزرعة واحدة. تقود إلى تقاطع الضواحي هذا سكة ضيقة هي بالأصل ساقية الفلج، وعند تقاطع المزارع توجد "تحويلة" يتم عندها تحويل مجرى الفلج إلى هذه المزرعة أو تلك. في تلك الناحية يوجد بيت طيني كان يبدو لنا مريبا، تسكنه عجوز مخيفة (رغم أن أمي مازالت تذكر هذه المرأة بكل خير وتترحم عليها وعلى طيبتها، إلا أنها كانت تخيفنا نحن الأطفال). لا يحدث في الحلم الذي رأيته شيء سوى أنه يعيدني لتلك المنطقة. أنا متأكد أن لها اسما لكني ما عدتُ أذكره، فكل عشرة أمتار وكل مزرعة كان لها اسم في كل مكان بأرض عمان وفي جميع ولايات عمان الداخل. في الحلم كنتُ شخصا بالغا يتلصص على ذلك المكان، السكك الصغيرة جدا المحاذية لسواقي الفلج، والفلج ذاته. كنت مثل الدكتور إيزاك في فيلم (الفراولات البرية) لبيرجمان: عجوز يرى طفولته ويرى نفسه صغيرا يلعب مع أقرانه. في الحلم، كان الحنين يعتصرني، وقد استيقظت متخيلا نفسي أكتب مقالة عن هذا الحنين، لكنني سرعان ما عدت للنوم! الآن، أحاول استعادة ذلك الحلم لأفهم معنى الحنين الذي كان يعبق به.

لا أجد شيئا محددا أحن إليه الآن. لا أتذكر حادثة سعيدة محددة. بل على العكس، أتذكر أشياء غير إيجابية في ذلك المكان. أتذكر أننا نسبح في الفلج غافلين لاهين ثم نتفاجأ بعصى رجل بغيض تلشطنا على ظهورنا لأننا "نِسْبَح سبّوحة القرّة" (نسبح كالضفدعة)! كان شخصا بغيضا لن أغفر له. مجرد عجوز من الحارة لا يحب سباحة الأطفال ويعطي نفسه حق ضرب أي واحد منهم بعصاه. من كنتَ أيها البائس حتى يسمح لك الأهالي بذلك؛ أن "تؤدب" أطفالهم نيابة عنهم؟! أتذكر في ذاك الفلج العقارب المندسة بين "الخلاقين" التي كانوا يحشون بها أطراف "اللجالة" لسد مجرى الفلج وتحويله لوجهة أخرى. أتذكر العجوز المخيفة والبيت الطيني الذي يوحي أن الجن تستوطنه.

ثمة شيء آخر كان يحدث في ذلك المكان؛ ملتقى المَزارع المملوك كل منها لفرد مختلف. إنها طقوس كشف الضر (نسيت اسم الطقس بالعامية). طقس تذويب معدن (لعله الألمنيوم أو القصدير) بالنار الساخنة جدا ثم سكب المعدان المذاب في إناء به ماء. وهنا كنا نغنى لحظة سكب المعدن المذاب في الماء حتى يتشكل المصهور على صورةٍ ما: "يا صويرة تصوّري. كان حمامة تصوري. كان فراشة تصوّري.. كان (ما أعرف من) تصوّري.الخ".. كان البصّار (وهو بالنسبة لي حاليا ليس سوى محتال بائس آخر تماما كالعجوز صاحب الخيزرانة)، كان ينظر لقطعة المعدن الذائبة ليرى بأي شكل تصورت، فيقول مثلا "سنورة" أو "كلب"، وهذا يعني أن الضر الذي أصاب الشخص المريض ناتج عن ذلك الحيوان. أو ربما عن جني تهيأ بشاكلة ذلك الحيوان، وكل حيوان وله علاجه وقرابينه. كنت كطفل مدعو دوما للمشاركة في طقس كشف الضر، لأنني توأم (كان لي أخ توأم توفي وعمره سنة واحدة). كنت مطلوبا لأن التوأم (مبارك). كنت مطلوبا أيضا لعلاج عيون المصابين بالرمد. حيث أبول (بوصفي طفلا مباركا) في فنجان، ثم يتم قطر عين المريض ببولي المقدس!

ذكرى وحيدة غير سيئة تربطني بملتقى المزارع هذا ذي العقارب في وسط فلجه والمحفوف بالعجوز الشريرة. شجرتا مانجو كانت تتساقط ثمارهما عندما تنضج. كنت أحب المرور بذاك الطريق وأسعى أن أكون أول المارين علّي أحصل على ثمرة مانجو غير خربانة وليس فيها دود قد سقطت ولم يسبقني إليها أحد. كان هذا نادرا ما يحدث، فما أجده غالبا هو ثمار فاسدة. إذا كانت هذه أسعد ذكرياتي في هذا المكان، فلماذا يعود إليّ في الحلم بوصفه مكانا أحن إليه؟ حسنا، في حقيقة الأمر فإن لدي رغبة أن أسير في هذا المكان مرة أخرى ولو لمرة واحدة في حياتي. لم يعد أهلي يسكنون ذات المنطقة. بيتنا القديم لايزال قائما لكنه آيل للسقوط، وقد يقع في أية لحظة على رؤوس الباكستانيين الذين يستأجرونه حاليا بثلاثين ريالا عمانيا لا غير! الجيران مددوا بيوتهم وسوّروا مزارعهم. ولا أظن ساقية الفلج ما تزال موجودة، ولا اعلم هل مازال الفلج يجري أم قد أصابه المحل. أذهب إلى قريتي مرة كل شهرين ونصف في المتوسط، لليلتين لا ثالث لهما. وأنا أقود للبلدة أقول لنفسي: "هذه المرة سأفعلها.. سأذهب عند البيت الطيني، وسأمشي في نفس الطريق لمرة أخيرة لأرى كيف أصبح". لكني في كل زيارة للبلدة لا أغادر بيت عائلتي الجديد الذي يقع بعيدا عن تلك المزرعة ذات البيت الطيني الذي تسكنه عجوز يخافها الأطفال لكن أمي ما زالت تدعو لها بالرحمة والغفران.

لا أتذكر أحداثا سعيدة في ذلك المكان، ولا أتذكر حدثا سيئا لافتا للنظر. فحتى ضرب العجوز لنا بخيزرانته عندما نسبح في الفلج لا يترك لدي ذكرى مؤلمة (ورغم أني لن أسامحه على فعلته كموقف عقليّ مني بوصفي شخصا بالغا ناضجا، فإني أيضا لا أحمل حقدا طفوليا نحوه). لا ذكريات حزينة ولا سعيدة. ومع ذلك فرغبتي قائمة لأسير في ذلك المكان ولو لمرة واحدة أخيرة. أخاف القيام بالخطوة لأني شبه متأكد أن المكان كله لم يعد موجودا. لابد أن معظم النخيل قد مات. ولعل الفلج قد اندثر بكل عقاربه. والبيت الطيني قد تمت إزالته. ولم تعد المزارع متداخلة وفيها سكك ترابية ضيقة يتنقل عبرها الناس بين أجزاء الحلّة، إذ لابد أن المزارع قد تم تسويرها بجدران الاسمنت التي ألغت الوصال بين الأهالي. ألهذا إذن أيها المكان –الذي أمني النفس بزيارته في كل مرة أذهب فيها لولايتي وفي كل مرة أحجم عن فعل ذلك- ألهذا إذن تزورني أنت في منامي كحلم يضوع حنينا وحسرة؟

17 February 2015

حياة مملة

"أنا متمللة.. ساعدني"

إلى (ملكة الثلج).. أول خيوط الوصل



-مرحبا. مشغول؟
-لأ.. تفضلي
نصف دقيقة صمت.. ثم تابعتْ: ملل.
ثم نصف دقيقة صمت حتى سألتُها: اليوم ولا كل يوم؟
-كل يوم تقريبا.
كانت هذه البداية الحقيقية لأول حوار أجريه بماسنجر الفيسبوك مع شابة عمانية لا أعرفها. شابة ضمن قائمة أصدقائي بالفيسبوك تكتب باسم مستعار. لم يكن هذا منذ زمن طويل، فرغم أنني في الفيسبوك منذ عام 2008 إلا أن عدد أصدقائي هو 87 شخصا فقط، ولم أجرِ حوارا مع أحد لا أعرفه حتى حدوث ذلك الحوار الذي تسبب به وجود فتاة ملولة، فتاة رغبتْ بالتواصل معي بدافع الملل، فكانت أولَ شخصٍ لا أعرفه شخصيا يتواصل معي عبر ماسنجر الفيسبوك. ما حكايتُكَ أيها الملل؟ ولماذا الكل يشكو منك؟ مهلا.. هل هو الكل فعلا، أم البعض؟ وهل هناك فئة عمرية معينة هي الأكثر ضجرا؟

بالنسبة للكثيرين، ما الحياة إلا رحلةُ تجزيرٍ للوقت. قتلٌ له بالمسليات والمُلهيات. ليس بوسع الكائن البشري أن يكون دائما قبطانُ وقتِهِ، بمعنى أن يكون المسيطر والمتحكم دائما في يومه وساعاته. ثمة بشر لم يحددوا هدفا معينا لحياتهم يسعون وراءه، هؤلاء هم الغالبية العظمى من الناس في كل الثقافات. كل صراعهم مع الحياة هو صراع مع كيفية تمرير الوقت والحصول على بعض المرح والتسلية. هل هؤلاء سعداء أم ملولون؟ وهل السعادة هي عدم الشعور بالملل؟ لنرجئ قليلا التفكير في هؤلاء لنتساءل بشأن تلك القلة من الناس الذين حددوا هدفا صارما لحياتهم، سواء كهدف مرحلي مؤقت أو كهدف عام دائم. هل هؤلاء أقل وقوعا في شِراك الملل؟ مثلا الطالب الجامعي الذي يقرر التفوق ويضعا هدفا رئيسيا له، أو الموظف الذي يريد صعود سلم النجاح بسرعة، هل كل حياة هؤلاء هي مطاردة لذلك الهدف واشتغال على تحقيقه؟ بالطبع الأمر ليس هكذا قطعا، ففي الـ 24 ساعة هناك الكثير من الوقت الذي يقضيه المرء بعيدا عن مطاردة هدفه الأسمى. الطالب الجامعي لن يذاكر طوال اليوم، ومهما ذاكر فسوف تتبقى له سويعات من يومه تحتاج لِأنْ يملأها بشيء. العامل الساعي للتمكين الوظيفي هو أيضا لديه ساعات طويلة عليه أن يقضيها خارج محيط العمل، فماذا هو فاعل بوقته؟ إنه مهما كانت شخصية المرء من حيث امتلاكه هدفا يطارده في حياته أو كونه شخصا قد ترك الأيام تسيّر مصيره، ففي نهاية المطاف هناك وقت كبير لابد أن يشغله المرء بشيء. هذا الوقت الكبير هو ما يُوجِد الأرضية الخصبة للإحساس بالملل.

تتفاوت أنصبة الناس من الملل بتفاوت ظروف حياتهم، وباختلاف تركيبتهم الشخصية وحساسيتهم الذاتية تجاه هذا الأمر. هناك أفراد تشغلهم عائلاتهم ويحبون دوما التواجد بين إخوانهم وأقاربهم، يتجاذبون الحديث والضحكات وينشغلون بما يشغل بال الآخرين ويتفاعلون مع أهم أحداث حياتهم. لهؤلاء –بصفة عامة- فرصة أضعف في الشعور بالملل، ومع ذلك فإن فيهم من سيشعرون به بمجرد اختفاء غلالة الانشغال الاجتماعي تلك وخلو المرء إلى نفسه. ومنهم من لن يشعروا بالملل، فإذا انفض الأقارب كان هناك التليفزيون، أو القراءة، أو كرة القدم، أو النوم، أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة للجزء المتبقي من يومهم.

يتراءى لي –في تقديري الشخصي للأمر- أنّ المراهقين، وطلبة الجامعات، والموظفين الجدد، هم أكثر الأشخاص شعورا بالممل. فلنقل إذن هم الأشخاص في الفئة العمرية بين 14 و 28 سنة تقريبا. ليس صعبا أن نفكر لماذا يشعر هؤلاء بالملل أكثر من غيرهم. إنها هرمونات النمو التي تجعل المرء مليئا بالطاقة، مثلما هي روح الشباب التي تجعل الذهن راغبا في الانشغال الدائم بإنجاز شيءٍ ما والتوق الواضح إلى التغيير. من تجاوزوا تلك الأعمار يشعرون بالملل بدرجة أقل غالبا، فمعظمهم تكون لديهم حياة اجتماعية لها التزاماتها ومتطلباتها ومشاويرها المتعددة التي لا تُبقي لديهم أصلا وقتا حتى يشعروا فيه بالضجر، ولديهم أيضا طموح تحسين الوضع المالي الذي يضطرهم لقضاء ساعات عمل طويلة في أكثر من وظيفة أحيانا، ولديهم رفاق ثابتون يلتقون بهم بين وقت وآخر، وتلك هي متعتهم الأهم. إن المفارقة هي أنّ أفراد الفئة العمرية بين 14 و 28 سنة، وعلى الرغم من تمتعهم بعدد أكبر من الزملاء والرفاق حولهم، فإنهم يبدون الأكثر تبرما وضجرا. لماذا؟ لأن رفاقهم مثلهم يشعرون بالضجر! ما الذي يفعله طالب المدرسة بعد عودة رفاقه إلى بيوتهم؟ ما الذي يفعله طالب الجامعة في الفراغ بين محاضرتين، وبعد عودته للبيت، وفي عطلة نهاية الأسبوع؟ ما الذي يفعله الموظف المغترب من إحدى الولايات في مسقط بعد انتهاء ساعات الدوام؟ جميع هؤلاء يبحثون عن طريقة لتجزير الوقت ويستغيثون من وحش متربص بهم دوما اسمه الملل.

أحاول استعادة فترة مراهقتي ودراستي في الجامعة، أي أنني أتكلم عن العشر سنوات بين 1985 و 1995—سنة تخرجي من الجامعة. هل كنتُ أشعر بملل شديد؟ هل كان من حولي يستغيثون من الملل بنفس الحدة التي يتشكى فيها الشباب اليوم من الملل، وبنفس المقدار الذي دفع تلك الشابة لتفتح دردشة إلكترونية مع شخص غريب فقط لتهرب من الملل؟ لغاية عام 1986 لم يكن لدينا هاتف ثابت بالبيت، فقد وصل الهاتف تلك السنة. ولعل الكهرباء الحكومية قد سبقته بثلاث سنوات تقريبا. اما الهاتف المحمول فقد ظهر في نوفمبر 1996. لقد كانت سنوات ليس فيها مجال لتزجية الوقت بأي شيء من معطيات التقنية الرقمية المتاحة حاليا. لم يكن هناك إلا التليفزيون بقناتين فقط، عمان وأبوظبي! لقد كنت شخصيا مراهقا منطويا إلى حد ما، وأحب القراءة والكتابة، ولو تركت الحديث عن نفسي وتحدثت عن أقراني الذكور فقد كانوا يتميزون عني بلعب كرة القدم عصرا وهو ما لم أكن أفعله. عدا ذلك فقد عاش الجميع حياة متشابهة تقريبا في كل شيء، ولم تمر على أسماعي وقتها كلمة "ملل" إلا نادرا جدا. كنا نقضي معظم الوقت داخل بيوتنا مع عوائلنا الكبيرة العدد، تتخلل الوقت زيارات الجيران والأقارب، ونقضي وقتا نستمتع فيه بالمسلسلات والأفلام المصرية والمسلسلات الأجنبية المترجمة وبرامج المنوعات. وننام مبكرين. ورغم أننا شباب تحركنا نفس هرمونات النمو ونتمتع بذات الطاقة للعمل والتوق للتغيير وروح التمرد التي يتمتع بها شباب اليوم، إلا أننا كنا أقل ضجرا بكثير مما يعانيه جيل اليوم. لماذا يا ترى؟ أود لو أنني أترك الإجابة مفتوحة ليبحث عنها كل قارئ في حياته الشخصية وحياة المحيطين به، لكني لا أستطيع أن أتجاهل ما أراه واضحا بخصوص دور "العالم الافتراضي" في حياتنا المعاصرة في تعزيز الشعور بالملل.

في الماضي كانت لنا حياة واحدة، هي حياة الواقع. لم نعرف سواها. اليوم لكل منا حياة واقعية وحياة واحدة عالأقل افتراضية، ولربما عدة حيوات افتراضية لمن لديه عدة حسابات في الفيسبوك وتويتر بأسماء مستعارة. نستطيع اليوم قتل الوقت في حياتنا الفعلية بنفس الطرق التي كنا نمرره بها قبل عام 2000، ولكن كيف نقتل وقتا افتراضيا في حياة افتراضية؟ هذا هو التحدي الأكبر. جذر المشكلة هو أننا نسعى اليوم لتجزير الوقت باستخدام هاتفنا المحمول وتطبيقاته المختلفة، ونكاد لا نملك وسيلة أخرى لفعل ذلك. لقد اخترنا الأمر على هذا النحو. اخترنا أن نفكر في الوقت الافتراضي فقط، وهو وقت مراوغ لأنه ليس من لحم و دم. والصراع معه غير متكافئ لأنه ليس بوسع آدميّ أنْ يقتل شبحا، والنتيجة هي استشراء الملل. مهما زاد عدد أصدقائنا الافتراضيين في الفيسبوك فليس من بينهم شخص متاح لنلتقيه على فنجان قهوة أو نذهب معه للسينما. وطالب الجامعة لن يذهب بين المحاضرات ليبحث عن كتاب في المكتبة، لكنه يجوجل الكتاب ليحصل على نسخة إلكترونية، أو يكتفي حتى بتصفح جديد الانستجرام ولا يفكر حتى بالكتاب الإلكتروني. وزميله العاشق الخجول لن يتصيد اللحظات حتى يجد فرصة مناسبة لفتح حوار مع زميلته الحسناء منتظرا لحظة التعارف التي طالما تطلّع إليها، ولكنه سيضيف تلك الفتاة –والعشرات مثلها- إلى قائمته في الفيسبوك—إنْ لم يكن كلاهما اختار معرّفا لا يتضمن اسمه الحقيقي، وصورة هي أفتار لا يمثلهما! حين تختار العالم الافتراضي ميدانا لمعركتك فأنت قد اخترت معركة افتراضية، ولا أمل لك في الفوز فيها. إذا سعينا لقتل الوقت في العالم الافتراضي، فعلينا أن ندرك أننا لن نجني سوى عكس ذلك: إننا نعطي الوقت الافتراضي الفرصة الذهبية كي يقتلنا. إننا نزرع الملل ونحصد الملل، وبين الغرس والحصاد عمر ينقضي في رعاية الملل والعناية به وهو ينمو ويتغول حتى يستل أنفاسنا ويخطف أعمارنا في العالم الواقعي—وليس الافتراضي!

02 January 2015

رغائب سنة جديدة

رغائب سنة جديدة


هذه الليلة أنا مستعدٌ لالتهامِ تمساحٍ حيّ كاملٍ بفكه المفتوح، وحراشفه الغليظة!
مستعد ﻷسامح زوجة خائنة.. وﻷغوي زوجا بالخيانة!
مستعد ﻷقطع الصلة بنديم أعرفه منذ 15 عاما؛ ﻷنه لن يصبح يوما صديقا قط.
مستعد لأجلد طيز حبيبتي بالكرباج، بتدرج وشبق.. إذا أقسمتْ أنها ستبادلني المِثل؛ ولكن بقسوة لامتناهية.
مستعد ﻷهشم البطيخات بلكمات من قبضة يدي. وأن أفقأ حتى عيون العميان، فما حاجتهم لها؟
مستعد لقطع ذيل ضب.. فتُنتهك كرامته، ويسَمِّم نفسه من الداخل حتى الموت. أتوق ﻷرى أحدا يموت بكرامة.
مستعد أنا الليلة لقطع ذيل سحلية؛ ﻷراها تفلت من قبضة الكراهية.  وأرى ذيلها ينمو مجددا، هازئا بي.
مستعد الليلة ﻷعلّق امرأة من حلمتيها بمروحة الغرفة.. غير أنني لن أدير زر التشغيل.
مستعد لإحراق صالة سينما، وإنقاذ شريط سينمائي واحد ﻷنه بالأبيض والأسود، أو ﻷنه صامت.
مستعد الليلة ﻷهجر كل الصديقات إذا رفضن أن أمزق سوتياناتهن وأطعمها للحلزونات.
مستعد ﻷتعشى بخبز عفن، طالما كان لديّ كأسُ نبيذ أحمر.
مستعد ﻷغازل سحاقية، حتى لو انتهى بي الأمر حبيسا.. طالما كان ذلك سيشعل غضبها ضد العالم كله!
مستعد ﻷشعل حريقا، لتتبخر بلادة البرد.
مستعد ﻷعلّم طفلا أقذع الألفاظ، كي لا يحرمه والداه السخيفان من النطق الحق.
مستعد ﻷقطع لسانيْ أبوين أرعنين، فلا تسمع الطفولةُ صلواتٍ عند الطعام، وزجرا حال الغناء على المائدة.
مستعد ﻷدق المسامير على الحلمات. وليتم خصيي بمشرطٍ صدئ. وﻷدَغدَغ تحت الإبطين حتى الموت. مستعد أن أعض مؤخرة امرأة مستديرة، وأن أنهش منها ما يكفي ليمتلئ به فمي فأكف عن الشكوى والتذمر.
مستعد ﻷضرب أرنبا بمطرقة على رأسه، وأن أولج اصبعي فُجاءة بدناءة تجعل أقرب صديقاتي تحتاج لجلسةِ علاجٍ تمتد 20 عاما لتتعافى من الصدمة، لكنها لن تشفى يوما!
مستعد للحرائق والدخان. لنبش قبر فرناندو بيسوا والتمثيل بجثته. ولطبع قبلة على جبهة شارلي شابلن--التي لم تترك الديدان شيئا منها.
مستعد لكل شيء سوى أن أحظى بسنة عادية. سنة لا تليق إلا ببشر ليسوا سوى بهائم ناطقة.
مستعد أن أفقد القدرة على الكلام، شريطة ان أبوح كثيرا بحبي للوجوه الصامتة للنساء الحزينات.
هذه الليلة أنا مستعد لالتهام تمساح حي كامل بفكه المفتوح، وحراشفه الغليظة، حتى لو علق بحلقومي.. فقط كي لا تكون سنتي هذي شبيهة بسابقتها الرمادية.
الليلة سأدخل فيك بشهوة. وسأرقب دم بكارتك يسيح مغادرا حياتي البليدة، حياتي ذات العذرية الزائفة، كغشاء بكارةٍ صينيّ خدعوا به زوجا شرقيا جديرا بالخداع ولا شيء غير الخداع.
الليلة يستيقظ الغوريلا ضاربا بيديه الهمجيتين صدرَه الفولاذي، ليغزو العالم الأشعث الشَعر بزمجرة تهتز لها أركان الغابة المسمومة. الليلة يركل كينج كونج الزمن ليخلط أوراق اللعب، فلا يعود شيء آمنا بالسذاجة التي كنا عليها قبل سويعات.