21 August 2014

المانشيت الكبير الذي يرغب القارئ العماني في قراءته

كُتبت هذه المقالة في 27 ديسمبر 2009، وهي أول مقالة أنشرها في جريدة الرؤية الحديثة العهد آنذاك. كان العدد الأول من الرؤية قد صدر قبل كتابة المقالة بثلاثة أيام فقط.
المقالة كانت افتتاحية غير مباشرة مني بوصفي المحرر المشرف على صفحة "رؤى" بالجريدة.
سيلاحظ القارئ اليوم أن المقالة تتحدث عن منتديات الإنترنت ولا تأتي بأي سيرة لمواقع التواصل الاجتماعي، لأن هذه الوسائل لم تكن معروفة في بلادنا بعد. كان بعضها حديث الظهور، والبعض الآخر لم يكن قد ظهر أصلا.
عموما، أرى أن السؤال الرئيسي الذي تطرحه هذه المقالة ما زال قائما. ألا وهو: هل يمكن اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي مقياسا صادقا علميا للرأي العام العماني؟



الوزير الحرامي*
يتساءل المرء عما يمكن اعتماده كمؤشر حقيقي لقياس الرأي العام في عُمان، وعما إذا كانت هناك حالات تم فيها استقراء الرأي العام بوسائط تحليل علمية ومنهجية تعطي نتائج أقرب ما تكون إلى الدقة وتبتعد قدر المستطاع عن التخمين. ثمة سؤال، بعد هذه المقدمة، يدور ببال الإعلاميين، وهو: ما الذي يريد القارئ العماني أن يجده في الصحافة المحلية؟ وكيف يمكن معرفة ما يشغل باله؟

هناك من يرى بأن منتديات الإنترنت تعطي مؤشرا كافيا عن طبيعة اهتمامات المجتمع العماني وعما يعتمل بداخله من هواجس وتطلعات. فالإنترنت، وفقا لهذا التوجه في التفكير، تكفل حرية أكبر للتعبير لأن الأفراد يختفون خلفها وراء قناع. وإذا سلمنا جدلا بذلك، فهل الاسم المستعار هو الضامن الفعلي ليتيقن المرء بأن ما تكتبه الأقنعة هو المعبر الحقيقي عن الشارع العماني؟ ألا يمكن أن يكون القناع في حد ذاته وسيلة من وسائل التغطية على ما يدور حقا داخل "الرأي العام" المحلي؟

يوجد من الإعلاميين من لا يتفق أن منتديات الإنترنت يمكن أن تكون المعبر الحقيقي عن نبض الشارع، لأنه –وعلى الرغم من شعبية الإنترنت- إلا أن استخدامها يكاد يكون محصورا بفئات معينة في المجتمع على رأسهم طلبة المدارس والمراهقون والمتشددون الدينيون الذين هم أسرع الناس –في العادة- لتوظيف معطيات التكنولوجيا لصالح نشر فكر سلفي ماضويّ! وماذا عن بقية فئات المجتمع؟ هل يستخدم الأميون الإنترنت (الذين تبلغ نسبتهم في بلادنا حوالي 7%** في الفئة العمرية بين سن 15 و45 سنة)؟ وماذا عن غير الأميين ممن لا تستهويهم الكتابة أو لا يطالعون الصحف المطبوعة أو الإنترنت، من ذا الذي يعبر عن واقعهم وهواجسهم؟ وهل يستخدم الموظفون في الوزارات الحكومية منتديات الإنترنت؟ وما نوعية هذا الاستخدام؟ هل يشاركون بالكتابة في المنتديات أم يكتفون بالفرجة على ما يكتبه الآخرون؟ أما إذا توجهنا لمنتديات الإنترنت نفسها، فأي منتدى فيها هو الذي يمثل الرأي العام أكثر من غيره؟ هل هو المنتدى ذو الشعبية الكبيرة لكنه مملوء بالشخابيط المراهِقة أم هو المنتدى الرزين الجاد ولكن عدد زواره بالمئات فقط وليس بعشرات الألوف؟

هل يمكن، إذن، ألا تكون الإنترنت صالحة كمؤشر جيد لقراءة توجهات الشارع العماني وما يحلم بأن يقرأه على صفحات الإعلام المطبوع؟ هل تسهم الإذاعات في رسم صورة عن اهتمامات الجمهور؟ بالتأكيد إنها تفعل ذلك إلى حد ما، فهناك برامج حوارية لها قاعدة عريضة من المتابعين سواء في الإذاعتين الحكوميتين أو الإذاعات الخاصة التي تعمل معظم الوقت بنظام تلقي الرسائل النصية القصيرة. أما الإعلام العماني المطبوع فلعله يكون آخر وسيلة يمكن من خلالها معرفة ما الذي يريده الشارع من الإعلام المطبوع! إن الصفحات المخصصة لمعرفة التغذية الراجعة من الجمهور والتي تتيح له التعبير عما يجوس بخاطره هي صفحات قليلة العدد في الصحافة المحلية، كما أنها ليست يومية، ولا نعلم إذا كانت المؤسسات الصحفية القائمة قد قامت يوما بدراسة رأي الجمهور فيما تنشره من مواد وأخبار ومدى كون محتواها وإخراجها معبرا أم غير معبر عن آمال هذه الجماهير.

لو أخذنا الأمر على الظاهر وافترضنا أن منتديات الإنترنت ذات الشعبية الواسعة يمكن ان تكون الوسيط الأفضل الذي يمكن من خلاله قراءة رأي الشارع العماني ومعرفة ما يحلم أن يجده في الصحافة المطبوعة، لانحصرت الإجابة في المطالبة بالمزيد من الحرية للإعلام. قد لا يختلف إثنان على هذا الأمر، أيْ على كون "مزيد من الحرية" هو ما ينشده الجمهور في الإعلام، لكن أي نوع من الحرية هذا الذي يطالب به جمهور منتديات الإنترنت المتشكل غالبا من المراهقين والسلفيين؟

أفضى تطبيق مبدأ الحرية، وفقا للنموذج الذي اعتنقه كتاب منتديات الإنترنت الذائعة الصيت في السنوات التي تلت ظهور الإنترنت في عمان وحتى محاكمة عدد من مشرفي وكتاب سبلة العرب عام 2007م، أفضى هذا التطبيق –غالبا- إلى الميل نحو التجريح والسب ونشر الشائعات، وكأن سقف طموح العديد من كتاب منتديات الإنترنت انحصر في شتم المسؤول الفلاني وترويج شائعات عن وزير حرامي أو مختلس أو غيره، هكذا وبكل بساطة لأن الكتابة من وراء قناع أتاحت للجميع، ممن يتمتع بحس من المسؤولية أو لا يتمتع به، أن يقذف بما لديه من "سوالف" سواء حملت هدفا بنّاء من ورائها أم كانت مجرد ثرثرة لا أكثر ولا أقل. فهل يمكن القول أن المواطن العماني لا يرغب سوى في هذا النوع من الأخبار وأن مفهوم الحرية مرتبط لديه بترويج أمثال هذه الحكايات التي تجنح للتهجم على الأشخاص دونما دليل؟ من غير المنطقي قبول مثل هذه الفرضية، لأكثر من سبب، منها أنه ليس جميع منتديات الإنترنت تفتقد للرصانة، ولا جميع من يكتبون في المنتديات ذائعة الصيت يفتقدون للكياسة، فضلا عن أن كتاب هذه المنتديات –كما أوضحنا أعلاه- لا يمثلون إلا شريحة محدودة من أفراد المجتمع.

ويبقى السؤال قائما: كيف يمكن إذن، قياس الرأي العام العماني ومعرفة ما يشغله حقا من أفكار وهموم واهتمامات؟ هو السؤال الذي لن تجيب عليه سوى آليات علمية منهجية مختصة بقياسات الرأي العام، عندها فقط يمكن معرفة عما إذا كان "الوزير الحرامي" هو المانشيت الكبير الذي يرغب القارئ العماني في قراءته في صدر صحافته المحلية أم أنه يطمح إلى شيء آخر مختلف.


هوامش:
*(الوزير الحرامي) هو العنوان الذي اخترته أصلا للمقالة، لكن تم تغييره عند النشر إلى (المسؤول المختلس) لأن حرية الإعلام في بلادنا وقتها لم تكن تسمح بعناوين من هذا القبيل.
**7% تقريبا هي نسبة الأمية في السلطنة عام 2009، في الفئة العمرية بين 15 و 45 سنة.

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.