14 August 2014

مقهى زاخرٌ بصنوفِ القهوة

نُشر النص في جريدة (الشبيبة) بتاريخ 29 ديسمبر 1997م


مقهى زاخرٌ* بصنوفِ القهوة

إلى زهيدة:
لأنك جعلتِ الحواسَ الخمسَ.. واحدة!



(1)
المرأةُ التي دعوتُ اللهَ سرّا أنْ يُطيلَ في عُمرها
لا لشيء إلا لأنها جميلة.
المرأةُ التي وضعتْ سبابتَها على شفتيَّ المهادنتين
لئلا أَزِلّ فأنطقُ بغير "أحبكِ".
المرأةُ التي لم أقلْ لها بعد: "أحبكِ".
متى سوف تبعدُ اصبَعَهَا
عن شفتيَّ
كي يطولَ عمري أنا الآخر؟!

(2)
كيف لي توقّعُ
رؤيةِ صديقٍ على شرفةِ الحانة
وأنا ألدُّ أعدائي؟

(3)
الذي يجعلكم عظماءَ
يا من تكافحون حتى الرمق الأخيرِ
حبّا في لذة الكفاح.
الذي يجعلكم عظماء
أنكم حقا تلتذون بالكفاح.

(4)
بقعةُ الإضاءةِ الساقطةُ من علٍ
-كخصلةِ شعرٍ تنسدلُ على جبهةٍ حائرة-
تحرّضُ العينَ على استنشاقِ شفيفِ الظلام.
الظلامُ الذي ينسجُ بالجوارِ مَلاءةً
تفتشُ عن جسدٍ دافئٍ
ليتدثر بها (صونا لدفئه).
الجسدُ الذي ينبجسُ عن مياهٍ
تفوحُ منها رائحةُ الخلودِ
وضمةُ حنان.
الحنانُ الذي لم يخرج يوما عن سطور الروايات
لا يسائلُ نفسَهُ:
لماذا لا يفضُّ مغاليقي نورٌ
فأتساقط على الكائناتِ الحائرة
كما خصلةِ شعرٍ تنسدلُ على جبهةٍ ظمئى؟!

(5)
الرجالُ الجوفُ الذين تمتلئ بهم المدينةُ
يثيرون الدهشة حقا.
من أين يأتون بكل هذا القش؟!

(6)
أتفقُ أنه
بشوية بودرةْ
يمكنُ تحسينُ وجهَ الحياة
لكنها ستظلُ قبيحةً على الدوام
ذلك أنها
لن تخلعَ القناعَ يوما.

(7)
في أواخر عمري
وإذ تكونُ المدينةُ معدنيةً أكثر مما تستطيع حواسي الاحتيالَ عليه
وإذ المقهى ذو الروح الشبابية الذي
كنتُ أدمِنُهُ قبل ثلاثينَ عاما
قد أصبحَ أثرا بعد عين.
سأقتعدُ بارا عتيقا
من مخلفاتِ حروبٍ لم تحدث.
وسأغض السمع والبصر والفؤاد عن كل من حولي
وما حولي.
هناكَ.. بذاكرتي البِكْر
أستطيعُ أنْ أستشعرَ رعشةً في القلبِ
حين يتردد صوتُها الأليفُ في أذنيّ:
"يا من أحب.. لكأني أراكَ في أواخر العمرِ، جالسا في هذا المقهى أو في آخر يشبهه، وقلبُك يخفقُ حين كفيّ تلتفّانِ حول عينيكَ لأفاجئكَ: يا من أحبُ: من عساي أكون؟".

يا من أحبُّ.. وأنا في أواخر عمري، لازلتُ بذات المقهى أنتظرك. فمن عساكِ تكونين؟

(8)
الموتُ الذي اعترض طريقي قبل لحظاتٍ ليستعير مني سيجارة.
الموتُ الذي لم أرهبهُ كما كان يتوقعُ.
غادر مرتبكا
ونسي أنْ يسألني القدّاحة!**


هوامش:
*لعبٌ بالألفاظ. فيه تعميم عن أي مقهى يزخر بصنوف القهوة يمكن للمرء أن يقضي نهاره فيه. وفيه إيماء إلى مقهى (النهر الجليدي) بمجمع زاخر بالخوير والذي كنتُ أقضي فيه ساعتين بصورة شبه يومية في ذلك العهد. المقهى ما يزال قائما.
كثيرٌ من نصوص 1997 وما حولها زمنيا قد كُتبت في هذا المقهى.
**كُتبتْ في أثر وفاة أخي الأصغر، محمد، بحادث سيارة. وكنتُ قد مررتُ على الحادث وترحمتُ على الموتى –كان واضحا أن هناك موتى لقوة الحادث- بدون أن أعرف أنّ أخي كان بينهم.

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.