20 February 2018

هل هذا النص متفائل بما يكفي؟

هل هذا النص متفائل بما يكفي؟



أريد أن أكتب شيئا متفائلا. شيئا جميلا. شيئا بإمكانه ان يبهج القارئ ويعطيه أملا في الحياة. وإذا كانت جملة (أمل في الحياة) هي مطلب كبير لِمَا يمكن لمنشور في الفيسبوك أو في مدونة أن يحققه، فإنني آمل على الأقل أن تمنحه كتابتي ابتسامة، أو بعضَ الطمأنينة الروحية حتى لو دام ذلك للحظات فقط.
أريد حقا أن أقول شيئا متفائلا، إيجابيا، مَرِحا إذا أمكن. لكن عن أي شيء سأتحدث؟ وكيف لفاقد الشيء ان يعطيه؟

العمر يتآكل، والصحة تتدهور -شاملا البصر ووظائف بقية الأعضاء المتأثرة بعدم القدرة على التحكم في مرض السكري-، والوضع المادي السيئ يتأزم، والمتعة تغيب عن كل فعل يمكن إتيانه.

الصداقات محبِطة، وجلسات أحاديث الليل شديدة الإضجار، وكان بإمكاني أن أفضَل عليها الإنشغال بهاتفي وتطبيقاته، لولا أن النت مكّلفة جدا، والجيجابايتات تنقرض بسرعة كبيرة. حتى الشراب الذي فيه بعض السلوى، فهو ينعشك من جانب وينخر بدنك من جانب آخر، ومن جانب ثالث فهو يثقب المحفظة. تبا!

القرض البنكي لا يبدو أنه سينتهي، والتأجيلات في الأعياد -التي لا يمكن الاستغناء عنها- تُضاعِف فترة السداد، وتطيل أمد العذاب والعَوَز المادي، وتؤجل مشروع التقاعد إلى أجل غير مسمى.

المغامرات العاطفية فشلت جميعها، كلها بسبب التربية الصارمة والخجل الشخصي اللذين تضافرا فأنتجا فردا مترددا، بل جبانا.

والسينما؟ السينما العظيمة موجودة. نعم ما تزال موجودة. لكن المرء لا يبدو أنه بات يمتلك الجَلَد الكافي للتعاطي مع فيلم لا يكشف أسراره للروح إلا ببطء وأناة. البصيرة والذائقة تلوثتا بقمامة هوليوود، التي تجعل سرعةُ إيقاعِ أفلامها الأمرَ سهلا على شخص مجهد لا يريد شيئا سوى أن يمضي الليل بسرعة وأن يقترب النوم.

حتى عروض دار الأوبرا السلطانية التي كانت سلوى عظيمة وكشفا روحيا أبهجني وأنعشني في السنوات الخمس الماضية، حتى هذه صارت بمنأى لأن الرغيف أولى من شراء تذكرة لعرضٍ فنيّ. حينما يكون الرغيف هو هم الإنسان الوحيد -بسبب بؤسه المادي-، فإن الشغف بالفنون يتراجع إلى ذيل القائمة.

ومع ذلك، فالمرء لا يزال تصله أربع جرائد محلية مجانية على طاولة مكتبه كل صباح. إنني شغوف بتصفح الجرائد، رغم أني أقرأ العناوين فقط، فليس لدي من الصبر ما أحتمل به قراءة التقارير الصحفية الطويلة. جرائد ورقية مجانية في المكتب، حسنا، هذا جيد لشخص لم يستطع أن يحب قراءة الصحف على جهاز إلكتروني. هذه من نِعَم الحياة الصغيرة. أليس كذلك؟

المرء أيضا قد نجا من حادث سير كبير وانكتب له عمر آخر. كل من رأى صور سيارتي بعد الحادث لا يزال مندهشا كيف خرجتُ منه حيا بالحد الأدنى من الإصابات. أنا ممتن لذلك حقا، ولكني في نفس الوقت ما زلت أعاني آثار الإصابات، مثل تيبس مفصل الكتف وآلامه وعجز اليد اليمنى عن أداء كافة وظائفها الاعتيادية، وكذلك تورم كاحل الرِجل اليمنى في موضع العملية، وهو التورم الذي يقول الطبيب أنه وارد وعادي أن يظهر ويختفي ثم يظهر مجددا في الستة الأشهر الأولى بعد الجراحة. إذن ما يزال لدي شهران ونصف أتصبر فيهما على تحمل هذا التورم. حسنا، طالما لم أصب بشيء فادح في الرأس أو الأحشاء نتيجة الحادث، فما زلت أقول بقناعة أن كل هذا بسيط وهيّن.

السفر يبدو مستحيلا، حتى إلى دولة قريبة وعزيزة على نفسي مثل البحرين. إنه صعب حاليا لوضعي الصحي، وصعب دوما لوضعي المالي. لكن السفر نفسه لم يعد يبهجني كثيرا كما كان الأمر في عشرينيات عمري. صرت بحاجة لرفيق للسفر، ولكن بالكاد لي رفاق وأنا قارٌّ في مكاني، فكيف أثناء السفر؟! لا الاستقرار يبهجني ولا السفر، فماذا أنا فاعل بنفسي يا إله العرش؟!

حسنا.. أعرف ما هو الحل. عليّ أن أملأ حياتي ببعض الأكشن. بعض الأفعال والأنشطة. عليّ، بدايةً، أن أتعلم الطباعة الصحيحة على الحاسوب لأتشجع للكتابة. لكي تأخذ أسطرا مثل هذه زمنها الطبيعي في الكتابة وليس ضعفيّ ما يستغرقه الآخرون في كتابتها. لعل الطباعة الصحيحة ستجعلني أكتب رواية (وماذا ستفعل رواية في مجتمع متخلف سوى أن ترسل صاحبها إلى المتاعب والتهلكة وربما غياهب السجون؟). عليّ أن أنظم حياتي وأعتمد أربعين دقيقة يوميا للمشي، فهذا سيفقأ عينيّ السكري—عدوي الأول. عليّ أن أنجح في التوقف عن تناول مدخَلات السكر والنشويات، وهو أمر أنجح فيه دائما كلما بدأته، لكنني لا أستمر طويلا. وعليّ قبل كل شيء، إذا أمكن الأمر، أن أجدا متعا أخرى غير مكلفة لتزجية الوقت، بديلا عن عاداتي الحالية المكلفة في الاستمتاع وتزجية الوقت. ولكن هل ذي البلد فيها شي الواحد يسوّيه؟

عليّ العودة للقراءة. هذا مهم للغاية. مؤكد أن فيها سلوى ومعرفة وفائدة. المهم تنظيم عناصر الحياة اليومية الأخرى حتى يمكن أن تتحقق فرصة القراءة. إنه لمن الحزن أن أقتني الكتب من معرض الكتاب سنويا ويأتي معرض جديد وأنا لم أفتحها بعد.

أظن أنني أريد حقا أن أفعل شيئا لصالح تغيير الحال الواقع إلى الأفضل. أعرف أني أريد التغيير بدلالة أني قاعد الآن أكتب هذه الأسطر. إنني أفكر مع نفسي الآن. أفكر بصوت عالٍ (رغم صمتي). على الأقل أنا أفكر. وأنا أفكر، إذن أنا موجود! ويا ليتني لم أكن موجودا!