10 June 2018

في وداع الخطاط الراحل عزت عبدالحميد


وداعا عزت عبدالحميد




بلغني بالأمس نبأ وفاة الصديق وزميل العمل عزت عبدالحميد، الذي عاش في السلطنة حوالي 35 عاما، وقد عمل لثلاثة عقود بوزارة التربية والتعليم بوظيفة خطاط. توفي الراحل في جمهورية مصر العربية، وكان قد أحيل للتقاعد من وزارة التربية والتعليم قبل سنوات بسيطة، لكنه أكمل العمل مع الوزارة بعقد سنوي تم تجديده مرتين وربما ثلاثا قبل أن يغادر لمصر قبل سنوات قليلة فقط. الرحمة لذكرى إنسان عزيز قضى أكثر من نصف حياته في بلادنا وأحبها وأنتج فيها، وفيها تعيش عائلته لغاية اليوم، والتعازي لجميع أفراد عائلته—صبّرهم الله على فقده.

كانت وظيفة خطاط مهمة جدا في العقود الماضية وذلك قبل أن تحتل الكمبيوترات مهمة تصميم الخطوط. كتب الراحل عزت عبدالحميد عناوين كافة أغلفة الكتب الدراسية التي أصدرتها وزارة التربية والتعليم في الثمانينيات وجزء من التسعينيات من القرن الماضي، وظهر خطه وتوقيعه (عزت) على منشورات أخرى للوزارة. كما تعاونت معه العديد من المطابع في تصميم أغلفة كتبها. إضافة لذلك فقد خطّ الراحل اللوحات الرئيسية الكبيرة الموجودة على كافة أروقة المبنى القديم لوزارة التربية والتعليم. فضلا عن ذلك فقد تعاون عزت عبدالحميد مع تليفزيون سلطنة عمان لأكثر من 15 سنة في كتابة الخطوط لأسماء الممثلين وطاقم العمل في مختلف البرامج التي قدمها التليفزيون في الثمانينيات والنصف الأول من التسعينيات (عندما كانت تترات البرامج تُكتب بخط اليد)، نجد ذلك في برامج المنوعات والأغاني الوطنية والعاطفية والمسلسلات والفوازير وغيرها. إنها لمفارقة أن الليلة التي سبقت وصول نبأ وفاة المرحوم كنتُ أتابع فيها في يوتيوب ولفترة تزيد عن 90 دقيقة عددا من الأغاني الوطنية العمانية القديمة التي صورها وبثها تليفزيون السلطنة في الثمانينيات، وكان اسم عزت وتوقيعه موجودا تقريبا في كل واحدة منها. كنت أقول في نفسي، لم أر عزت منذ ثلاث سنوات؟ كيف هو الآن؟ هل غادر السلطنة مؤخرا بعد أن تقاعد من وزارة التربية منذ بضع سنوات؟

كان عزت عبدالحميد إنسانا بشوشا مرحا. يدخل مكاتبنا فيملأها بهجة. في السنوات التي عملنا فيها معا كانت مهمة الخطاط قد تغيرت عند دخول الكمبيوتر في هذا المجال. وقد تغيرت طبيعة عمل عزت وفقا لذلك. صار دوره الرئيسي هو الإشراف الفني على مطبوعات وزارة التربية والتعليم وإصداراتها الإعلامية -وليس الكتب الدراسية- ومتابعة ذلك مع المطابع. مجلة مثل (رسالة التربية) التي ما زالت تصدرها وزارة التربية والتعليم لم يكن لها أن تظهر للوجود لولا جهود الراحل في إصدار أعدادها الأولى. وقد ارتبط الراحل بصداقات مع الكثير من المسؤولين في وزارة التربية وخارجها، ممن كانوا موظفين عاديين وقت بدء عمل الراحل في السلطنة وتقلدوا بعدها مناصب عليا في الدولة، وقد جمعته على نحو جيد علاقة عمل وطيدة وزمالة جيدة بكل من معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري (الوزير السابق للتربية والتعليم وشؤون الشباب) ومعالي السيد سعود بن إبراهيم البوسعيدي (الوزير السابق لوزارة التربية والتعليم)، وأنا أثق أن من عملوا مع عزت عبدالحميد سيذكرونه دائما بكل خير.

من ضمن الأشياء الطريفة التي تعلمتها من الراحل جملة حفظتها ولكني للأسف نادرا ما طبقتها، وهي أنه "فيه حاجات ما تجيش إلا بالخِناق"، أي لا تصمت عندما يكون الحق إلى جانبك. بل فليعلُ صوتك حتى لا يأكل حقك أحد. لكن هذه الجملة بالذات لم تنفع الراحل بشأن الحصول على الجنسية العمانية.

المؤسف بشأن الراحل هو أنه رغم أنه عاش في بلادنا أكثر من 3 عقود من الزمن، إلا أنه حتى وفاته لم يحصل على الجنسية العمانية التي كان يرغب فيها، والتي أرى أنها من حق إنسان عاش في هذا البلد وأحبها واحترم قوانينها وأعطاها ما يستطيع من جهد وعرق. يَشترِط قانون الجنسية على (العامل الوافد) أن يكمل 20 سنة عمل في بلادنا قبل أن يتقدم بطلب الحصول على الجنسية، مقرونا بإجادة اللغة العربية تحدثا وكتابة، وشريطة ألا يكون قد غادر البلد أكثر من 60 يوما متصلة أو منفصلة في سنة من تلك السنوات. وهنا هو الأمر الذي أفسد على الراحل حصوله على الجنسية، فجاءه التقاعد على المعاش من وزارة التربية والتعليم لبلوغه سن الستين قبل أن ينال مراده. كان عزت عبدالحميد يحصل على إجازة سنويا تبلغ 60 يوما بالضبط في السنة يغادر فيها إلى مصر. لم يكن يريد أن يتخطى شرط الحصول على الجنسية.  وفي إحدى السنوات وقد كان الراحل قد أقام أكثر من 15 سنة في البلد أراد الذهاب للعمرة مدة أسبوع واحد، وذهب للتأكد هل يتعارض ذلك مع شرط عدم السفر لأكثر من 60 يوما لسنة واحدة، فتم إخباره بأن الحج والعمرة هما استثناء، فذهب للعمرة مطمئنا، وكانت تلك أول مرة يغيب فيها خارج السلطنة أكثر من 60 يوما (متصلة أو منفصلة) في عام واحد. بعد إكماله 20 سنة في البلد ذهب لوزارة الداخلية ليقدم طلب الحصول على الجنسية العمانية، وعند مراجعة أوراقه تبين أنه قد غادر البلد قبل حوالي 5 سنوات لمدة تزيد بأسبوع عن الستين يوما المفروضة. كان ذلك هو الأسبوع الذي ذهب فيه لأداء العمرة. هنا أخبروه أنه خالف القوانين وأنه عليه أن يبدأ بِعَدّ 20 سنة أخرى بداية من السنة التي تلت ذهابه للعمرة. يعني أن الـ 15 سنة الأولى قبل الذهاب للعمرة غير محسوبة وقد ضاعت سدى! ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة أن الرجل الذي قضى أكثر من 30 سنة من حياته في بلادنا قد وصل للتقاعد وغادر البلاد دون جنسية عمانية، فيما لا يزال أولاده الذين ولدوا في السلطنة يعيشون هنا ويعملون في مؤسسات خاصة تحت كفالة مواطن، وبعضهم قد تجاوز هو الآخر سن الثلاثين. فهل سيتكرر معهم قدر أبيهم بسبب صرامة القانون وعبثيته؟

إذا كان هناك درس مستفاد من رحيل الزميل عزت عبدالحميد عن بلادنا فهو الدعوة لمراجعة قانون التجنيس لغير العمانيين، بالأخص العرب، ومراعاة الظروف الإنسانية. إن 20 سنة هي فترة طويلة للغاية حتى يحصل فيها المرء على الجنسية. بل إن الأمر ليس كذلك، فمقدم طلب الجنسية لن يحصل عليها تلقائيا لأنه أتم العشرين عاما، بل هناك فترة انتظار بعد تقديم الطلب تمتد في المتوسط بين 10 إلى 15 سنة! متى يحصل الإنسان على الجنسية العمانية، هل بعد وفاته؟ والأمر ينطبق على زوجات المواطنين، إذ جرى مؤخرا تعديل صعّب شروط حصول زوجة المواطن على الجنسية العمانية، وصار عليها إكمال 10 سنوات زواج لا تغادر فيها البلد في أية سنة من السنوات أكثر من 60 يوما متصلة أو منفصلة. فماذا كان يضر لو أبقوا على القانون القديم الذي كان يتيح لزوجة المواطن التقدم بطلب الجنسية بعد 5 سنوات من الزواج؟

يبدو أنك كنت محقا عزيزي عزت في قولك "فيه حاجات ما تجيش إلا بالخِناق"، ولكن لماذا لا يكتفون بالمنطق بدلا عن الخناق؟


*كُتبت في 10/6/2018