25 September 2014

ما الذي يتوقعه عبدالله خميس هذا اليوم؟

ما الذي يتوقعه عبدالله خميس هذا اليوم؟

حين يستيقظ المرءُ منا كلّ صباح، ما الذي يتوقعه من يومِه؟ ماذا ينتظر؟ ما هي تخيُّلاتِهِ لشكل اليوم إجمالا: مُرْهِقا، ممتِعا، مزعجا، مملا، عاديا، مميزا؟ هل يحق لنا أصلا أنْ توقع مثل هذا الأمر، أم أن الدقائق تليها الساعات تسير لوحدها كيفما اُتفق، بدون أن تنتظر منا توقعا معينا؟

يحلو لي أن أنطلق في تأمل الأسئلة أعلاه من زاوية شخصية. هئنذا أسأل نفسي الآن: ما الذي تتوقعه يا عبدالله خميس من يومك؟ وماذا لو كنتَ لا تتوقع شيئا؟ هل يمكن ألا أتوقع شيئا أصلا؟ هل عدم توقع شيء فرضيةٌ ممكنة بالأساس، سواء لي أو لغيري من الناس؟

ما أتوقعه ليومي لم يبدأ منذ لحظة استيقاظي، ولكنه بدأ بما كنت أقوم به بالأمس. قبل أن آوي إلى فراشي ليلا، كنتُ أعرف أنه عليّ أنْ أستيقظ باكرا هذا اليوم. لا أستيقظ باكرا في جميع الأيام، وحتى عندما أفعل، فإنني كغيري من الناس لا أستيقظ دوما بنفس المزاج. كلنا نستيقظ بأمزجة مختلفة، فيها الكسل أحيانا، والكدر أحيانا أخرى، والترقب في بعض المرات، والقلق في أيام أخرى إذا كان يومنا سيحفل بحدث غير عادي، مثل مقابلة عمل او امتحان مهم أو اجتماع لجنة معينة لتقر او ترفض مقترحا تقدمنا به. في الغالب، قبل أن ينام المرء يستشعر بالحدس كيف سيكون مزاجه في الصباح. إنه يعرف ذلك لأنه يدرك أن غده ليس إلا امتدادا ليومه. وإذا كان عليّ أن أتحدث بالتحديد عن يومي هذا، فقد كنتُ أدرك –قبل نومي البارحة- أنه على صباحي هذا أن يكون مكللا بالإصرار. كنتُ أعرف اني أريد أن أكتب مقالة هذا الصباح، وهو أمر غير روتيني لأني أفعل ذلك مرة واحدة في الاسبوع. لكن منبع الإصرار هذه المرة هو أنني كنت مدركا أنني سأكتب مقالتي في المكتب الذي يشاطرني فيه أربعة موظفين آخرين، حيث تتضاءل فرصة التركيز التي تحتاجها عملية الكتابة إلى أدنى مستوياتها. كنت مصمما على الكتابة، ولذا، قبل أن آوي إلى عالم الأحلام ليلا، كنتُ قد وطّنتُ النفس على أن أستيقظ اليوم نشيطا.

إننا نوطّن نفوسنا على ما نشاء. هذا شأنٌ بمقدورنا القيام به. أحيانا لا نفعل، ونترك الدقائق تقودنا عوضا عن أن نتولى نحن زمام الأمور. لكن الأيام الأفضل في حياتنا هي الأيام التي نفعل فيها العكس. ها إنني أكتب مقالتي وحولي الموظفون، وهناك مراجعون، وزملاء آخرون يدخلون للسلام، وآخرون أسمع رنات هواتفهم المزعجة. لكن لا شيء يستطيع إيقافي، حتى لو ناداني المدير فلن يمنع هذا اندماجي فيما أفعله الآن. لأنني كنتُ قد قررتُ أنني أريد الكتابة. ما أريده لهذا الصباح هو بعض الإنتاجية. هو إنجاز شيء ما. هذا الشيء هو أنْ أكتب. تحديدا، أنْ أكتب في ظرف استثنائي. أنْ أكتب في يوم عمل، ليس في عطلة نهاية الاسبوع. أنْ أكتب في المكتب، وليس في البيت.

كل شيء ساهم في خلق المناخ العام ليومي كان قد ابتدأ منذ الأمس. بالأمس، وضعتْ إحدى الصديقات تدوينة لها على الفيسبوك تتساءل فيها عما إذا كان علينا أن ننتظر شيئا من يومنا أو هل علينا الحياة دونما انتظار شيء. قرأت ذلك بالأمس في وسط يومي المزحوم بخطط معدة في اليوم السابق له. قرأتُ ذلك وفكرتُ فعلا انّ هذا التساؤل هو موضوع جيد لمقالة. "ماذا ينتظر عبدالله خميس من يومه؟"، سؤال وُلِد بالأمس. أما اليوم، فكنتُ مصرا على الإجابة عليه. المزاج الذي استيقظتُ به صباحا كان مرتبطا بهذا الموضوع. موضوع السعي للإجابة على هذا السؤال. لذا، حين دخلتْ عليّ طفلتي الغرفة بعد أنْ ايقظتها المربية لتتجهز للذهاب للحضانة، وأنا ما زلتُ بين النوم واليقظة، كنتُ مهيئا لأحضنها –كما أفعل دائما- ثم أنهض بعدها فورا لفنجان القهوة. أحيانا أعود للفِراش بعد حضن الصباح لطفلتي: أتكاسل في النهوض، وأطيل أمد التلذذ بلذعة البرد التي يكون جهاز التكييف قد أشاعها في الغرفة. لكني اليوم كنتُ مهيئا لمزاج الإصرار على الإنتاجية. لذا، قبل أنْ أنهي فنجان قهوتي وأنا بالبيت، كنتُ قد ألقيتُ التحية برسالة نصية على صديقة أعلم أنها بحاجة لتحية الصباح من احدهم حتى أستحث يومها للعمل. ثم أرسلتُ لها مقطعا موسيقيا ليكون –كما آملُ- مُفتَتَحا جيدا ليومها. هكذا إذن: النشاط معدٍ! الإصرارُ قابلٌ للتوزيع على الآخرين! وبهذا المنطق، أرسلتُ رسالة مصورة لصديقة أخرى منقوش عليها كلمة (صباح التفاؤل). هذا ما كنتُ أنتظره من يومي: التفاؤل. إن التفاؤل أمر مُعد بالمعنى الإيجابي للعدوى. إنه طاقة خلاقة تشع لتنعكس على الآخرين.

الآن وأنا أسطّر ما قد يكون الفقرة الأخيرة من مقالي الصباحي هذا، أعرف بشكل عام ما الذي أنتظره من يومي. إنني أنتظر منه أن يكون مملوءا بالإنتاجية. هذا ما أريده منه. لا أريده يوما ضائعا بلا معنى. حتى صفحة الفيسبوك عليّ أنْ أملأها بالمفيد. هئنذا قد روّجت لعرض الغد (اليوم بالنسبة لك يا قارئ مقالتي) بدار الأوبرا السلطانية، أملا في ان يحظى عازف الكلارينيت باكيتيو دي ريفيرا بالجمهور الذي يستحقه من الذوّيقة لفن الجاز. كان هذا فور تشغيلي لحاسوب المكتب. والآن إتمامُ هذه المقالة، وهناك قابلية للقيام بأمور كثيرة فيما تبقى من ساعات هذا اليوم. لا أريد ليومي هذا أن ينقضي دون شيء آخر مفيد، أنْ أكتب مادة في مدونتي مثلا، و أنْ أنجز شيئا إضافيا في العمل الذي تم تكليفي به في وظيفتي الحكومية، أو أن أتخاطب مع الرفاق الذين أحبهم بمقاطع موسيقية أخرى علها تلامس شغاف أفئدتهم، وأن أقضي وقتا جيدا مع عائلتي عند العودة للبيت، وبالطبع السعي لِأنْ لا ينتهي ليلي إلا بمشاهدة فيلم جديد من سينما العالم الخلاقة. هذا ما أنتظره من يومي، وهذا ما سأسعى إليه.

أكان ممكنا ألا أتوقع حدوث شيء في يومي هذا؟ لا، ليس بمقدوري تخيّل شيء كهذا. سواء أكان يومنا كئيبا أو متفائلا أو مليئا بالتوقعات والإثارة، فما هذا إلا نتاج ما زرعناه في أمسنا. ربما هناك أشياء خارجة عن إرادتنا تؤثر في ما سيكون عليه يومنا، كوقوع خبر سيئ لا قدّر الله، أو أننا قد نمنا بروح كسيرة لهجر حبيب أو لعدم حصول شيء كنا قد انتظرناه في أمسنا. نعم هذه أشياء تحصل، لكن القاعدة، انّ غدنا هو ما نزرعه في يومنا، ويومنا هو ما غرسناه في أمسنا. لذا علينا ألا نتوقع شيئا إلا حصاد ما بذرناه، فنحن لا نجني ثمار الآخرين، لكننا نقطفُ غرسَ أيدينا.

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.