02 September 2014

هل يجب تجريم ومنع "رياضة" مناطحة الثيران؟

مناطحة الثيران



تثير مسألة مناطحة الثيران العمانية الكثير من الفضول لاسيما أنه من المرجح رجوعها كممارسةٍ الى عهود سحيقة. وهذا الإيغال في القدم هو ما يبعث على الفضول بخصوصها. ذلك أن نشاط الإنسان القديم جدا قد انقسم إلى نوعين أساسيين: صيد الحيوانات وصد الدخلاء من بشر وحيوانات مفترسة، وهذه كانت مهمة الرجال، وجمع الثمار ورعاية العش الأسري وتلك كانت مهمة النساء.

فمنذ القديم كان الرجال يخرجون في مجموعات للصيد هدفها مطاردة الفرائس وقنص هدف محدد. ومنذ ذلك اليوم لم يتغير الكثير في اللاوعي الجمعي للرجل. لا زال الرجل صيادا ويتعامل بذات العقلية مع الأشياء، لكن الذي اختلف هو أدوات الصيد ونوعية الفريسة وبقي الأسلوب أو السلوك العام على حاله.

طور الرجل ما يُعرف بـ "الذاكرة المكانية" وهي القدرة على استخدم ذلك الجزء من الدماغ المخصص للتركيز على هدف متحرك وإصابته بدقة (وهو نفس السلوك المطلوب لاصطياد حيوان بري شارد). ينعكس هذا السلوك اليوم في قيام الرجل بعملية التسوق في نصف ساعة بينما تحتاج المرأة عدة ساعات لجلب نفس تلك الأغراض او نصفها أو حتى جلب لا شيء منها. ففيما مضى كانت النساء تخرج في مجموعات لجني الثمار المتساقطة وقطف البعض وتبقى نساء أخريات لرعاية العش، وكان يتم أحيانا الذهاب لمعاينة شجرة معينة للتأكد هل نضجت ثمارها التي كانت غضة بالأمس ام لا، وليس مهما إن عادت المرأة للعش ذلك اليوم بلا أي ثمار، فهي قد استمتعت بصحبة نساء أخريات والتحدث إليهن وتوطيد العلاقة معهن. أما الرجال فلا بد أن يعودوا من القنص بطريدة وإلا من سيوفر الغذاء للأطفال. ولأن صيد الحيوانات يتطلب الهدوء حتى لا تهرب الحيوانات فقد تعلم الرجال ان يبقوا صامتين مركزين الأبصار على هدف محدد، وإذا أصاب أحدهم هدفه هلل له البقية وانتشوا.

لم يستطع الإنسان المعاصر بعد –في عمان وغيرها، رجلا كان أو امرأة- تغيير الكثير من عاداته الذهنية اللاواعية القديمة، والتي تأتي ممارسة مناطحة الثيران في عمان كإحدى تجلياتها. ففي أمريكا لا يزال الصيد هواية الكثير من الرجال. بعضهم يصطاد السمك وبعضهم يصطاد الغزال الأمريكي (الأيل). والجدير بالذكر أن كثيرا من هؤلاء يمارسون الصيد لغرض الصيد فحسب وليس للانتفاع بلحم الحيوان. إن الهدف هو توظيف طاقات "الذاكرة المكانية" لدى الرجل في سلوك يناسب قدرات هذه الذاكرة.

في مطلع القرن الثامن عشر تغيرت ظروف الإنتاج ولم يعد الصيد هو وسيلة كسب الرزق. لقد حل محله العمل وتقلد الرجال جميع المهام والأعمال التي يُفرّغون فيها شحنات "الذاكرة المكانية" القادرة على التركيز في هدف محدد واقتناصه. لكن ماذا عن الصيد؟ إن الصيد طريقة لتضامن الرجال مع بعضهم والتنافس في القدرات مثلما خروج النساء مع بعضهن وتبادل الأحاديث الخاصة هو طريقة تدعيم النساء لبعضهن البعض. لأن الصيد لم يعد متاحا فقد استبدل الرجال به أقرب النشاطات إليه بما يلبي قدرات القنّاص، ألا وهو الرياضة الجماعية. لقد اخترعوا كرة القدم. إن كرة القدم ببساطة شديدة هي البديل المعاصر لطقوس الصيد القديمة. ففيها يطارد الرجال هدفا متحركا عليهم إصابته بدقة. وليس غريبا أنه حتى مع تحقيق المرأة الغربية لكثير من جوانب المساواة مع الرجل والتي تضمنت دخول المرأة مجال كرة القدم وتشكيل الفرق النسائية، ليس غريبا أن رياضة كرة القدم لم تستهوِ المرأة الغربية بنفس القدر الذي يستهويها فيه التسوق. فالتسوق هو البديل المعاصر لجني الثمار القديم، حيث تخرج المرأة مع صديقاتها ويتبادلن الأحاديث الاجتماعية بهدف تقريب الأواصر بما يسهم في النهاية في حماية العش (الأطفال).

من هنا نفهم أن رياضة مناطحة الثيران متجذرة بقوة في الإنسان العماني، وليس غريبا أن تبني الحكومة ميادين مخصصة لممارسة هذه الهواية لأن الحكومة مشكلة من الرجال الذين لا يرون غريزيا أية غضاضة في هذا المسلك بل يرونه فطريا. إن مصارعة الثيران هي استمرار لتوظيف الذاكرة المكانية لدى الرجل، لكنه استمرار بذات الطريقة حافظ على نفسه كما كان عليه الحال قبل عشرة آلاف سنة. لقد تغير المسمى فقط وأسموها رياضة بعد ان كانت وظيفة وأسلوب حياة.

حسنا.. نفهم الآن أن هذا السلوك متجذر لدى الرجل منذ البعيد وصعب انتزاعه منه، فما العمل إذن بهذه الحيوانات البريئة التي أصبحنا ندرك اليوم أنه لاذنب لها فيما يحدث؟ لتفريغ طاقات الذاكرة المكانية لدى الرجل وتحقيق مطلب ممارسة الصيد والقنص، فإن الرياضة الرجالية  الجماعية هي البديل الوحيد لو قرر المجتمع أو الحكومة يوما تجريم رياضة مناطحة الثيران العمانية. لكن هل سيمتثل الرجال لذلك؟ وكم سيحتاج الأمر حتى يتقبلوه؟ إن امريكا التي تنشط فيها جماعات حقوق الحيوان لم تفلح بعد في تجريم صيد الأيائل، بل إن الحكومة تشجع عليه لأسباب عجيبة منها تقليل حوادث الطرق التي تتسبب فيها هذه الحيوانات (الوديعة)!

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.