21 November 2014

من أجل أن لا يتفركش الزواج بعد كتب الكتاب وقبل ليلة الدخلة..

طقوس الزواج بين المرأة والرجل!


يُعتبر الزواج واحدا من أكبر التحولات في حياة الإنسان، فهو انتقال من الفردانية إلى الشراكة، ومن العزوبية إلى تكوين أسرة جديدة. ونظرا لأهميته فإن إجراءات الزواج نفسها تأخذ طابعا طقسيا واحتفاليا. ومهما ظن الرجل والمرأة أنهما مستقلين أو ناضجين أو أحرارا، فإن الزواج في الوطن العربي لا يتم أبدا إلا بتدخل مباشر من الأسرتين، وهو تدخل يعيد الزواج إلى جذوره الأولى الضاربة إلى إنسان الكهف. في حقيقة الأمر فإن طقوس الزواج إحدى العلامات التي تشير إلى أن الإنسان كحيوان إجتماعي لم يتغير كثيرا عن الكائن البدائي الذي كان عليه قبل 10 آلاف سنة. فاحتفال الزواج ومراسمه وإجراءاته التنفيذية من دفع مهر للعروس ودعوة المعازيم وكتب الكتاب وطقوس ليلة الدخلة، كل هذه طقوس بدائية يبدو وجودها من الناحية المنطقية غريبا على إنسان القرن الحادي والعشرين الذي يتمتع بالاستقلال النفسي والاقتصادي عن ربقة القبيلة. إلا أن الزواج يأتي ليقول أن المرء –فيما يخص طقس الزواج- لا يزال يتصرف بذات العقلية الجمعية التي كان يتصرف بها إنسان الكهف. إن المقاربة التي نجريها بين طقوس الزواج قديما وحديثا، وكذلك وصفنا لهذه الطقوس بأنها بدائية، لا يهدف، بدايةً، للإساءة لهذه الطقوس أو امتداحها، ولكنه مدخل استهلالي ضروري لنفهم من أين آلت إلينا طقوس الزواج الحتمية التي يندر أن يتم زواج بدونها. من أين أتانا شيء اسمه المهر والذهب وفستان العروس الأبيض ودعوة المعازيم وذبح الثيران؟ ولماذا لا يمكن للزواج أن يتم إلا بإشراف تنفيذي مباشر من كلا العائلتين رغم أن الرجل والمرأة قد بلغا سن النضج؟ ما هو الجيد والسيئ في هذه الطقوس؟ ولماذا تفشل العديد من الزيجات قبل إتمام كتب الكتاب بسبب تدخلات الأسرتين؟ أعني هنا لماذا لا يزال مصير رجل وامرأة مرتبطا بقرار ولي أمر البنت وبالمهر الذي يحدده أو غيره من الشروط التي قد تكون تعجيزية؟ ولماذا ينوب عن امرأة بالغة ناضجة رجل من أفراد أسرتها عند قراءة الفاتحة وإعلان المِلكة وتُقصى المرأة صاحبة الشأن عن الموضوع؟ لماذا لا يحق للمرأة أن تنظر في عيني حبيبها وهو يقول "قَبِلتُكِ زوجةً لي"، بل إنها أصلا لا يُسمح لها دخول "الصالة" التي تتم فيها عملية التوثيق القانوني للزواج؟ أليس عيبا أن تكون هناك امرأة في الثلاثين من عمرها ومع ذلك فهي غير مسموح لها أن تردد خلف المأذون جملة "قَبِلتُك زوجا" ناظرةً إلى وجه حبيبها لترى أثر هذه الجملة المصيرية منعكسا على عينيه؟ أليس عيبا أن يتزوج الرجل واضعا يده في يد رجل آخر وليس في يد المرأة التي اختارته شريكا لحياتها؟ كل هذه التساؤلات تفجرها طقوس الزواج المعقدة في الوطن العربي والتي كثيرا ما تؤدي إلى انهيار الرجل والمرأة نفسيا قبل الوصول لليلة الزفاف بسبب الاستنزاف النفسي لهذين الشخصين من قبل من نصّبوا أنفسهم أوصياء عليهم.
* * *
يمكن تقسيم طقوس الزواج العربية إلى فئتين: الأولى هي المراسم والإجراءات المرتبطة بكتب الكتاب (المِلكة)، والثانية هي الطقوس المرتبطة بالزفاف. بنظرة سريعة وبلا حاجة لكثير من الفحص يستطيع المرء أن يلاحظ أن طقوس كتب الكتاب مسألة رجالية، أو بألفاظ أخرى خيار وقرار رجاليّ، أما طقوس الزفاف نفسها فهي مسألة نسائية يتحكم في تفاصيلها –من حيث اتخاذ القرار- العروس وأمها وأخواتها وخالاتها.
ما يهم الرجل العربي في الزواج (وأعني هنا ولي أمر البنت) هو تكريس الذكورية بكافة متطلباتها وإفرازاتها. فهناك المهر وهو شيء بدائي جدا لم يعد له وجود إلا في المجتمعات الأقل تحضرا. يُسمى المهر بالإنجليزية Dowry ويسميه الأمريكيون بالعامية woman price وتعني حرفيا "سعر المرأة". ومهما كانت الجملة القادمة جارحة للنساء فإن المهر شيء مشين لأنه ببساطة عبارة عن عملية تسعير للمرأة وتحويلها إلى سلعة يبيعها مالكها الذي يسمّي نفسه ولي الأمر. لا نعرف أصلا من الذي أعطى الحق لرجل ما أن يزعم أنه ولي أمر لامرأة ناضجة فيقرر هو عوضا عنها ما إذا كان العريس المتقدم لها مناسبا أم غير مناسب! إلا أن ولي الأمر لا يكتفي فقط –عن غير وجه حق- بتقرير مصير إنسانة مستقلة وإنما يحدد السعر المطلوب لتشتري حريتها. لقد أدرك الإسلام البعد الجاهلي للمهر ولذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعدم التشدد في هذا الأمر وقَبِل أن يكون المهر آية من القرآن الكريم. بالنسبة لي شخصيا أجد فكرة تخصيص مبلغ مالي إلزامي يسمى المهر فكرة قبيحة لاسيما عندما يتم تسليم حفنة النقود لولي الأمر (حتى لو قام هو بدوره بتسليم المبلغ كاملا غير منقوص للعروس كما يفعل بعض أصحاب الضمائر الحية). القبيح فيها أنها يتم تسليمها لشخص فرض نفسه وفرضه المجتمع وصيا على العروس، كما أن المطلب إلزامي ويكون المبلغ المطلوب عادة مغالى فيه. لا غضاضة مطلقا في مبدأ المهر لو كان الرجل يقدمه كهدية (وليس كفرض اجتماعي) مباشرة ليد حبيبته تعبيرا عن رغبته في مساندتها لبدء حياة معه—حياة لها بالطبع متطلباتها المادية. إلا أن الأسوأ في الأمر هو أنه على الرغم من الطابع القبيح للفكرة إلا أن الكثير من الفتيات يتعمدن المطالبة بمهور عالية لمجرد أن لا يكون سعر الواحدة منهن أرخص من سعر زميلتها أو جارتها التي تزوجت قبلها. إن النساء هنا يقمن بأنفسهن بتسليع أنفسهن والإقرار أنهن بضائع، وإذا كان الأمر هكذا فهل يكون هناك عتب على رجل يسيء معاملة زوجته لأنه ببساطة قد اشتراها وله حق التصرف فيها؟! هذا هو البعد القبيح لفكرة المهر الذي لا تدركه الكثير من الشابات الصغيرات. هناك فعلا رجال يقولون لنسائهم بالحرف الواحد "أنا دفعت فيش الشي الفلاني ولازم أطلّع قيمة فلوسي!". طبعا سنقول أن هؤلاء رجال سيؤون، لكن الأكثر سوءا منهم هم زوجاتهم إذا كنّ هنّ من اشترط المهر العالي فقط لمجرد التباهي أمام الآخرين والتقليد الأعمى للأخطاء الاجتماعية الشائعة. لقد تخلص الغرب من حكاية المهر، ولا عتب عليهم أبدا إن أسموا المهر "سعر المرأة" لأنه حقا كذلك.
ضمن طقوس الرجال أيضا في الزواج دعوة شيوخ العشائر وممثلي العائلة لإشهار الزواج. وهو مبدأ يهدف لترسيخ سلطة القبيلة وهرمية الأفراد بداخلها. إن الأمر ليس مجرد دعوة أفراد العائلة ليشاركوا العروسين الفرحة، ولكنه شكل من أشكال طلب الإذن من رب العشيرة لمباركة الزواج، وهو بالضبط ما كان يفعله البدائيون قبل آلاف السنين.
حين يحصل ولي أمر العروس على ما يرضيه من طقوس يُشبع بها ذكوريته وانتماءه البدائي للعشيرة، ينتهي دور الرجال. فقط سيهتمون لاحقا بذبح الثيران لأن التهام أطنان اللحوم يعكس مكانة ومقام العشيرة!
* * *
بالنسبة للنساء فإن دورهن يبدأ حين ينتهي دور الرجال. للنساء مطالب أخرى. لا تهتم النساء كثيرا بذبح الثيران ودعوة شيوخ العشائر، لكنهن يهتممن جدا بترتيبات حفل الزفاف وفستان العرس وصالون التجميل والشبكة والذهب وكافة المظاهر التي لا يفهم فيها العريس ولا تخصه. لا يفهم الرجل احتياجات النساء ولا يعلم لماذا كل هذا التكالب على هذه "الشكليات". بالنسبة للرجل فإن المرأة تكون قد أصبحت زوجته بمجرد انتهاء الدور الذكوري بكتب الكتاب ووجود عقد الزواج، لكن بالنسبة للنساء فالأمر مختلف. تنظر النساء لليلة الزفاف باهتمام بالغ يعكس قدرات المرأة في عملية التسوق والتأنق. ترتيبات الزفاف فيها الكثير من الذهاب للسوق وشراء الملابس الجديدة وهو أمر غير مفهوم للرجل. لا يعرف الرجال لماذا تشتري النساء كل تلك الملابس قبل الانتقال لبيت الزوجية وكأن العروس كانت حافية ممزقة الثياب طوال حياتها! لا يفهم الرجال هذا لأنهم لا يقومون به ولا يتسوقون للزفاف، وليس هناك محفز سيكولوجي أو هرموني يدفعهم لمثل هذا المسلك. إلا أن عدم فهمهم لا يمنعهم من مساندة النساء في عملية التسوق مرجعين ذلك إلى أنه "طبيعة نسائية". هذا يكفي. لكن الحقيقة أن المرأة تنظر للانتقال لبيت آخر غير بيت أهلها من منظور طقوسي شعائري. هو فعلا انتقال لحياة جديدة، ولذا يتصرف سلوك المرأة غريزيا لمحاكاة هذا الانتقال للحياة الجديدة بالاستعداد لها بكل ما هو جديد. هذا الجديد لا يشمل فقط شراء الملابس والذهب، لكنه يمتد للحرص على التأنق والتزين بما يبدو للرجل أنه شكل مبالغ فيه. الصالون ليوم الزفاف شأن مهم للمرأة، وهي تحرص أن تخرج منه مختلفة حرفيا عما دخلته. لكن كثيرا من الرجال لا يستطيعون احتمال هذه الفكرة لأن المرأة تخرج مختلفة عما ألفها الرجل عليه فيبدأ بالشعور أن هناك مقلبا ما مخبأ له: "لقد أعطوني امرأة أخرى غير التي تزوجتها!". تتم تنشئة البنات في مجتمعنا على أن الفتاة، كل فتاة، هي أجمل فتاة في الكون وأنها محط اهتمام العالم بأجمعه وأنها الأكثر جمالا في الوجود. هذه التنشئة العبيطة تشوه المرأة وتحولها إلى دمية بيد تجار بيع السلع النسائية كالملابس وأدوات المكياج. وفي العرس تحرص كل بنت على أن تكون هي الأكثر أناقة لأن كل واحدة تم تنشئتها وتلقينها وإيهامها أنها الأجمل في الوجود، لذا فإن صالة النساء في يوم الزفاف هي ميدان لإبراز خطأ التربية ولإثبات أن النساء كائنات عاشقة للمظاهر والشكليات. لا ترى المرأة غضاضة في هذا بل تراه حقا من حقوقها في أن يكون عرسها أنيقا، فهي في نهاية المطاف قد تم تحضيرها طوال حياتها لليوم الذي عليها أن تثبت فيه أنها الأجمل. إلا أن الرجل هو من يرى غضاضة في هذا ويشعر أن زوجته التي ظنها أكثر ذكاء من الأخريات هي في النهاية لا تختلف عن أية امرأة أخرى في حب المظاهر والبريق. إن الزفاف بكامل طقوسه شأن لا يعني الرجل في شيء وإنما يراه مطلبا نسائيا صرفا، مثلما لا يعني المرأة شيء في الإجراءات الرجالية المرتبطة بترتيبات كتب الكتاب مثل أهمية حضور شيوخ القبيلة وذبح الثيران. لقد تقاسم الرجل والمرأة أدوارا تاريخية واضحة لكل جنس منهما في طقوس الزواج، والمؤسف في الأمر أن طقوس الرجال تُنهك النساء وقد تسيء إليهن (مثل حرمان المرأة من تمثيل نفسها في النطق بقبولها للزوج)، و بمثل ذلك فإن طقوس النساء هي الأخرى تنهك الرجل وتجعله يشعر بالغربة لأنه يتم مطالبته بالتصرف كامرأة وذلك بالتزين الباذخ وتلبيس الدبل والشبكة والجلوس على "كوشة"، وكلها بالنسبة للرجل أشياء إن لم تكن سخيفة فهو على الأقل لا يفهم لماذا هي موجودة ولماذا هو مطالب بالتصنع والتصرف على هذه الشاكلة. للحد من عدد الزيجات التي "تتفركش" قبل الوصول لليلة الزفاف، يحتاج إنسان القرن الحادي والعشرين أن يتذكر أنه لم يعد يعيش في الكهف!

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.