12 October 2014

ما خفي عن عيون ركاب الطائرات

ما خفي عن عيون ركاب الطائرات!


نسافر في الطائرة مطمئنين، لا نعرف غير رقم مقعدنا، وربما كانت لدينا رفقة صغيرة من الأهل أو الأصدقاء، وربما كنا بمفردنا. ربما نكون –كأغلب الناس- محشورين في كراسينا الضيقة في الدرجة السياحية، وربما نكون مرفهين في درجة رجال الأعمال. كل ما نعرفه ان الرحلة تستغرق عددا محددا من الساعات. وأنه ستأتينا وجبة طعام بعد قليل. وأنّ لدينا خيارات من برامج الفيديو والأفلام والإذاعات المسموعة لنتابعها. نحاول في الرحلة أن نستجلب الراحة ونبعد عنا المنغصات. أنْ نتجاهل مثلا، احتمالية تعرض الطائرة لمطبات هوائية (أو ما هو أسوأ)، كما نتجاهل ثرثرة من يجلس خلفنا فيما نحن نحاول النوم. بل نحاول حتى أن نتجاهل كرسي الشخص الجالس أمامنا حين يميل به للخلف ليرتاح فيحشرنا في محيط ضيق لا نستطيع معه التنفس. نشغل أنفسنا بكل ذلك وقد لا تخطر ببالنا أسئلة أخرى. هل ثمة شيء تخفيه هذه الطائرة عنا؟ مَن يسافر أيضا على المتن؟ وهل جميع ركاب هذه الطائرة هم من الأحياء؟

لعل أكثر فكرة مخيفة لكثير من الناس، هي أن يتخيلوا أنهم خارجون في رحلة وبرفقتهم جثمان شخص ميت. لكنّ هذا أمر واقع في الكثير من الرحلات. جثث الموتى المجمدة تحملها الطائرات في الرحلات العادية. ليست هناك طيارات أو رحلات خاصة لنقل جثامين المدنيين. لكن هناك متسعا في الطائرات التجارية لجثمان ميت، وليس نادرا أن نسافر في رحلة مع شخص متوفى يُشحَن جثمانه إلى الهند أو الفلبين أو أية وجهة أخرى. يحدث في الحقيقة أحيانا، ولكن بشكل نادر، أن يتوفى شخص داخل الطائرة. يقع هذا غالبا لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، ولذا فإن الطائرات يُسعدها أنْ يكون على متنها طبيب من بين المسافرين، فهو يُسعف في حالات كثيرة. وعلى عكس وفاة أحدهم، يحدث بشكل نادر جدا أن تضع سيدة مولودا مبكرا داخل الطائرة! إن ركوب النساء الحوامل للطائرة ممنوع منذ الشهر السابع وأحيانا السادس في بعض شركات الطيران، لكن هناك نساء جيدات في إخفاء الحمل (خصوصا المسافرات لأمريكا ليضعن مولودهن هناك كي يحصل على الجنسية الأمريكية تلقائيا)، مثلما هناك أجنّة مستعجلون للخروج إلى العالم. ترى ماذا يُكتب في خانة (مكان الميلاد) في جواز سفر طفل تمت ولادته في السماء؟

لوحات تشكيلية ثمينة وذات قيمة تاريخية كثيرا ما تسافر معنا في الطائرات. هذه اللوحات تكون مسافرة لمعرض فني سيقام بإحدى البلدان. لن نعرف يوما عن لوحة مسافرة في طائرة إلا في حالة واحدة: إذا سقطت الطائرة وتحطمت! عدا ذلك فهناك مبلغ تأمين كبير لسفر اللوحات، وينبغي أن يظل أمرها  سرا خشية وصول الخبر للآذان الخطأ! يسافر أحيانا أشخاص مشهورون معنا في نفس رحلاتنا دون أن نعرف بوجودهم، هم بشهرة اللوحات الثمينة أو أكثر. مطربون وممثلون وكتّاب وشعراء يكونون –غالبا- في الدرجة الأولى. يحرص طاقم الطائرة على إبقاء وجود هؤلاء سرا، كي لا يتدافع عليهم المعجبون طلبا للتوقيع فتحدث فوضى قد لا تكون محمودة العواقب.

وماذا عن المسدسات والأسلحة؟ هل هي ممنوعة حقا لدى كافة المطارات وشركات الطيران؟ الحقيقة، كلا! المسدسات مسموحة لدى كثير من شركات الطيران حول العالم، ولكن بضوابط. يجب أن يكون المسدس مرخصا ومسجلا باسم صاحبه. وأن يتم الإبلاغ عن وجوده في استمارة خاصة بشركة الطيران. وأن يوضع المسدس في شنطة الشحن وليس في الحقيبة اليدوية. وأن لا يكون محشوا، بمعنى أن تُستخرج الرصاصات منه وأن توضع بجواره وليس داخل المسدس. وأخيرا، أن تكون الرصاصات مصنوعة من المعدن، وليس من مادة قابلة للإنفجار. وقبل كل هذا، أن تكون وجهة السفر تسمح بإدخال المسدسات إليها!

تحوي الطائرات أيضا أدوية مشحونة لإحدى البلدان، وتحوي أحيانا عينات من دم شخص مريض مُرسلة لأحد المختبرات الطبية في الخارج لفحصها وتحليلها. الجزئية الأخيرة ليست نادرة الحدوث في السلطنة، فعند ظهور أعراض مرض مجهول تُرسل عينة من دم المريض للفحص في مختبر إحدى الدول الأوروبية. تُنقل في الطائرات كذلك أعضاء بشرية مرسلة للزراعة في جسم مريض آخر. أيضا يُشحن في الطائرات الرسائل والطرود البريدية، وإذا كان معظم الناس يستخدمون اليوم البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع ذويهم عبر البحار، فكم ساهمت الطائرات في الماضي في ربط شمل الأسر والاصدقاء وفي "جمع رأسين في الحلال"!

يحاول كثير من الناس تهريب أشياء ممنوعة داخل الطائرات. هناك من يحاولون تهريب حيواناتهم الأليفة (القطط والكلاب الصغيرة)، وهناك من يحاولون تهريب كائنات أكثر خطورة، مثل الثعابين وصغار التماسيح! وثمة من يحاولون تهريب الآثار وبعض التحف والهدايا النادرة. هناك بالطبع تهريب المخدرات الذي ينجح في بعض الأحيان. وهناك تهريب البشر بجوازات سفر مزورة. أما من أغرب الأشياء الممنوعة على متن الطائرات والتي تعرضتُ لها شخصيا، فهي عدم السماح بتمرير المكسرات غير المحمصة إلى أستراليا. إن استراليا جزيرة، وهي –حفاظا على بيئتها الخاصة- تمنع استقدام أية نباتات قابلة للزراعة في أراضيها إلا التي تستوردها الشركات المرخصة لمزاولة هذا النشاط. أما الأفراد فُيمنع عليهم جلب أية مواد قابلة للاستزراع، ومنها المكسرات النيئة، حتى ولو كانت هذه المكسرات تباع أصلا داخل أستراليا. في مرة من المرات كنت أحمل تمرا على هيئة كرات مزينة كل واحدة منها بحبة لوز، ومغلفة كهدايا في علب أنيقة. تم مصادرة هذه الهدايا مني التي أحملها لأصدقائي الأستراليين بحجة أن اللوز الذي على التمر قابل لإعادة الاستزراع، مع أن نفس نوعية هذا اللوز النيئ تباع في أستراليا! تفهمت الأسباب (نوعا ما)، ولكني كنت حزينا على هدايا التمر الفاخر التي سيأكلها موظفو المطار بشراهة وينحرم منها أصدقائي الأستراليون. على أية حال فهذا ليس أغرب شيء تمنعه مطارات أستراليا. فعند الوصول ينظرون إلى حذاءك، لو كنتَ قد خضتَ به في الوحل قبل صعودك للطائرة فلن تدخل به أرض أستراليا، خشية أن تكون هناك بذور أعشاب عالقة به قد تنمو في جزيرة أستراليا! أيها المسافر، ادخل إلى أرض الكنغر بحذاء نظيف وإلا فلتدخل حافيا!

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.