14 March 2017

ظاهرة اسمها نعيمة المقبالي!

ظاهرة اسمها نعيمة المقبالي!*




*كٌنبت هذه المقالة بتاريخ 22 فبراير 2014، أي قبل 3 سنوات و 3 أسابيع من الآن! ونشرتها في وقتها في جريدة الرؤية التي كنتُ أكتب فيها مقالة أسبوعية منتظمة.
ولأن التاريخ المُشين يعيد نفسه، فأنا أعيد نشرها اليوم عبر رفعها في مدونتي.

سمعتُ باسم "نعيمة المقبالي" للمرة الأولى قبل نحو شهر من الآن، عندما وصلتني عبر إحدى برامج التواصل الاجتماعي تغريدة لها على تويتر تعرب فيها عن سخطها من شركة عمانتل بسبب بطء خدماتها في ولاية صحار. لستُ من كثيفي التواجد في برامج التواصل الاجتماعي، فلا ولع لدي بالفضائح و المهاترات، ولا أشارك الأدمغة المغسولة اهتماماتها الجوفاء، ويصيبني الغثيان من اللغة السوقية والمكسرة في معظم رسائل هذه البرامج، ولذا فلم أعر تلك التغريدة اهتماما كبيرا سوى أني وجدتها تعبر عن مواطن طفح به الكيل من تدني مستوى خدمات الاتصالات في بلادنا ورداءتها غير المبررة. لم أتصور أصلا أن نعيمة المقبالي شخصية حقيقية، فما أكثر من يتخفّون تحت أسماء فتيات في هذه البرامج من الشباب العصري الشجاع المغوار! ومع ذلك، أدركتُ أن وصول هذه التغريدة إلى هاتفي شبه المعزول عن عالم الفضائح يعني أنها قد وصلتْ سلفا لعُمان كلها، فأنا في العادة آخر من يعلم! وقد كان الأمر كما توقعت، إذ كانت رسالة الشابة نعيمة قد أشعلت التويتر و الإنستجرام وغيرهما من برامج التسلية الشعبية. في نفس يوم تلك الرسالة، التقيتُ بصديق له باع في مجال التواصل الاجتماعي، قال لي أن نعيمة شخصية حقيقية، وأنها سبق لها أن شاركت في مسابقة لملكات الجمال تمثل فيها السلطنة (لا أدري بصفة شخصية أم شبه رسمية)، وقال أنها فتاة تبحث عن الشهرة بأي ثمن. علّقتُ من باب الدعابة: "إذا كان الحال كذلك فسأصنع لها فيلما إذا كانت ستدفع جيدا. ههههه". وضحكنا وانتهى الأمر. ما اهتممتُ به في ذلك التوضيح من صاحبي –والذي ليس بالضرورة أن تكون جميع معلوماته دقيقة- هو أنني أمام فتاة متحمسة وفاعلة، فالمشاركة في مسابقة دولية لملكات الجَمال هو خطوة متقدمة لافتة للنظر في مجتمعنا المحافظ، وطالما أننا أمام فتاة خرجت عن المألوف فمن الطبيعي أن ينهش المحافظون لحمها حية. حسنا، لم أسمع بعد ذلك شيئا عن هذه الفتاة ولم أهتم للأمر مطلقا، إلى أن جاءتني نعيمة المقبالي مرة أخرى هذا الصباح إلى هاتفي.. هذه المرة لم تكن تغريدة، ولكنه مقطع فيديو للفتاة بشحمها ولحمها (مهلا.. هي ليس بها شحم. فهي مراهقة رشيقة). طيب: أهلا بك يا نعيمة؛ حللتِ أهلا ونزلتِ سهلا، ودعينا نعرف أسباب الزيارة!

مقطع نعيمة المقبالي الجديد المبثوث أصلا على موقع "كيك" keek لتبادل ملفات الفيديو، تحيي فيه متابعيها بعد طول غياب، وتعدهم بمفاجأة يوم الثلاثاء قبل مباراة عمان وسوريا. ولأنه لا علاقة لي بالرياضة من قريب أو بعيد –بدلالة وزني الزائد-، فلم أستطع أن أقرر هل المقطع جديد وهل هي تتحدث عن الثلاثاء القادم (25 فبراير)، أم أنه مقطع قديم وصل إلى هاتفي شبه المعزول عن العالم الخارجي هذا الصباح فقط؟ بالطبع ما زلت غير متأكد من الإجابة، إلا أنّ ما أثار انتباهي في أمر الظهور الجديد لنعيمة المقبالي شيئان. الأول: هو أنني أرى صورتها للمرة الأولى، ففي المرة السابقة –قبل شهر- كان ما وصلني مجرد تغريدة مكتوبة لا أكثر. هذه المرة أنا أمام مقطع فيديو مصور طوليا بطريقة خاطئة في الإمساك بالهاتف –كما يفعل كثيرون من الناس ممن أشعر بالشفقة نحوهم لامتلاكهم هواتف لا يعرفون حتى كيف يلتقطون بها مقطع فيديو سليما ومعدولا!-. إنها شابة صغيرة جدا. هي مراهقة حسب ما أظن. وكنت قد تخيلتها سيدة تخطو نحو أواخر العشرينيات من العمر (نظرا لشعبيتها وما قامت به من أعمال حققتْ لها هذه الشعبية). يالها من فتاة نحيلة تفيض حماسا ودافعية وتحديا. الأمر الآخر هو أنّ وصولها لهاتفي في مقطع جديد –حتى ولو كان قديما بعض الشيء ولكنه وصلني اليوم فحسب- فهذا يعني أن الضجة حول هذه الفتاة مازالت قائمة في مواقع "التراشق" الاجتماعي. إنّ أسطورة هذه الفتاة ما تزال حية، فكيف لها ذلك في مجتمع محافظ يحول كلَّ محاولة للخروج عن ربقة القطيع المتكلس إلى فضيحة؟ مجتمع يصنع قطاعٌ كبيرٌ من أفراده الفضائحَ ويعتاشون مُقتاتين عليها. إن هذه الفتاة تحمل اسم قبيلة محددة، ومع ذلك لازال بإمكانها الظهور في مقطع فيديو! ما أظن ذلك كان ممكنا قبل بضع سنوات، وأبناء جيلي يتذكرون المطربة العمانية الواعدة التي ظهرت على شاشات تليفزيون السلطنة في أغنيتين أو ثلاثا قبل أن تمنعها فحولة القبيلة من الغناء مرة أخرى! لا شك أنّ عمان تتغير مع الجيل الشاب سائرة نحو مزيد من العصرنة. إن مقطع نعيمة المقبالي الجديد في "كيك" هو مقطع عادي جدا في أي مجتمع حديث وفي عالم السماوات المفتوحة، لكنه بالنسبة لمجتمعنا لافت للنظر. هو لافت للنظر بالنسبة لي من حيث قدرة هذه الفتاة على رمي كل الهراء والتفاهات التي حامت حول تغريدتها عن عمانتل وراء ظهرها والظهور بابتسامة واثقة مجددا. لا أظن أن هذا سلوكُ شخصٍ "يطلب الشهرة بأي ثمن"، لكنه يبدو لي سلوكُ فتاةٍ واثقةٍ من نفسها وتعيش عصرها بمعطياته التي من ضمنها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن الذات وتحقيق الكينونة.

ولكن من هي نعيمة المقبالي؟ هل سيسعفني الـ يوتيوب في معرفة شيء آخر عنها غير التغريدة قبل شهر ومقطع الفيديو الداعم للمنتخب هذا الصباح؟ يا للهول! يا للسوقية! يا لعار الذكور والأشاوس والنشامى! كل هذا السب والسخرية والبذاءة كردود فعل على "تغريدة"!!.. ما أجرأ هذه الفتاة لتظهر مرة أخرى بكل هذه الابتسامة الودودة الواثقة أمام كل تلك البذاءات التي قيلت عنها—لا لشيء سوى أنها فتاة تريد الخروج من الشرنقة إلى الحياة الحقة. أنتِ فعلا ظاهرة ملفتة يا نعيمة الجريئة، وسيسرني من خاطري –لو أتيحت لي الفرصة- أن أصنع عنكِ فيلما تسجيليا لأن شجاعتك جديرة بالإعجاب. إننا حقا بحاجة إلى ألف نعيمة ونعيمة حتى يعود الشتّامون إلى كهوفهم، وحتى نُخْلِص لذواتنا وندفن هذا النفاق الاجتماعي المستشري في قبورٍ تليق به. لا يليق بالانغلاق والرياء سوى الكهوف، أما الأرواح الطليقة فلها أن تغرد عاليا وترى النور وتفرد أجنحتها في سماء الحرية التي استحقتها عن جدارة.



2 comments:

  1. مقال عجيب، المجد لنعيمة

    ReplyDelete
    Replies
    1. للأسف كانت ردة فعل نعيمة المقبالي سلبية و (طائشة) على هذه المقالة عند نشرها لأول مرة قبل أربع سنوات. لكن هذا لا يصنع فرق كبير بالنسبة لي، فالموضوع أبعد عن الاهتمام بنعيمة كشخص، إذ هو يتحدث عن ظاهرة خروج صوت نسائي من عباءة المجتمع الذكوري وردة فعل المحيط الاجتماعي على هذا الخروج.
      شكرا لتعقيبك على المقال

      Delete

Note: Only a member of this blog may post a comment.