10 January 2018

شغفُ تاكو مساء الأربعاء: هواجسُ ليلةٍ شتوية

شغفُ تاكو مساء الأربعاء!


كان ثمة كلامٌ مُحْكَمٌ في رأسي، لكنه تبخر! كانت أفكارٌ تكتب نفسها في دماغي وأنا أقود السيارة. أتراني تأخرتُ على تدوينها؟

ربما أردتُ أن أتحدث عن لماذا حذفتُ الواتساب من هاتفي مؤخرا. إذا كان هذا هو الموضوع، فإنه بسيط. لقد حذفته لأن التفاهة التي تصل من خلاله قد تجاوزت الحد. ولأنه يذكّرني في كل مرة كم أنّ غالبية أبناء هذا الشعب مثيرون للرثاء بسذاجتهم في تصديق أي شيء، وغياب العقل الناقد عنهم، وتجذّر الجهل فيهم، وهي حقائق يسرني أكثر أن أتغاضى عنها وأن أتناساها. إضافة لكل ذلك، فأنا لستُ على استعداد للتواصل مجانا مع من أثبتوا أنهم يستخسرون إنفاق عشر بيسات في رسالة نصية يسألون فيها عن صحتي. هذا ما حدث عندما حذفتُ الواتساب: حذف الكثيرون أنفسهم عن التواصل! ما أرخص الإنسان عندما لا يساوي عند أصدقائه عشر بيسات.

لقد كنت أفكر (هئنذا أتذكر الآن) أنني فاقد للاستمتاع بشيء في الحياة. ليس لديّ حماس لإنجاز أي شيء أو الاهتمام بشأنٍ ما أو التواصل مع أحد. لكنني مع ذلك ما زلت أحب الحياة. إني أستغرب حقا من نفسي كيف أحب حياةً لا أجد فيها ما يُمتِعني! مهلا، ثمة ما أمتعني في الشهر الأخير. إنها وجبات التاكو التي تعرفتُ عليها عبر بوفيه مساء الأربعاء بأحد الفنادق الذي زرته صدفة. على أية حال فأنا لا أستطيع دفع قيمة بوفيه كامل لأجل قطعتيّ تاكو بالروبيان!

لستُ جيدا لا في التواصل الاجتماعي ولا في التواصل في العالم الافتراضي (عبر برامج السوشيال ميديا). إنني أفضّل التواصل بالبريد الإلكتروني أكثر عن أية وسيلةِ تواصلٍ أخرى (لولا أن بُطئي في الطباعة يُكرّهني في الأمر). أكره الحديث بالهاتف، وأفضّل التواصل مع الماكينات عن التواصل مع البشر.

لم أُتقِن شيئا يوما كما ينبغي. لا الإخراج ولا النقد ولا كتابة القصة ولا المقالة ولا المسرحية، ولا حتى إمتاع امرأة كما أشتهي (تبا لسرعة القذف). جرّبتُ من كل بستان زهرة—حتى أن أكون جناينيّا أزرع الطماطم والفلفل. لم أتقن إعداد طبخة واحدة، ولا برعت في استخدام الحاسب الآلي رغم تأليفي لكتاب عن أساسياته. والحق يقال أنني برعتُ في عبّ الجعة باستمتاع كبير قلّ نظيره على مدار سنوات وسنوات، لكن جسمي كافأني بالسكري تحية لهذا الشغف!

ربما لستُ سيّئا كأب لطفلتي الوحيدة، ولكن ليس في هذا سلوى كافية. حتى السفر الذي تمنيته، لا أستطيع إتيانه لضيق ذات اليد، وإذا فعلته فإنني دوما بلا رفيق (عدا عن استثناء لمرة واحدة). والصديقُ قبل الطريق، كما يقولون!

أأنا خذلتُ حسناواتي أم هنّ خذلنني؟ أأنا لم أعد أستمتع بالأفلام أم لم يعد هناك سينما جيدة؟ منذ متى لم أتعلم شيئا جديدا؟ منذ متى لم أكمل قراءة كتاب؟—وإذا فعلتُ فإنه لا يمنحني المتعة التي أبتغيها!

كنتُ مع مطلع كل عام ميلادي أسطّر حقيبةَ أحلامٍ أتمنى تحقيقها. لم أكن أحقق منها الكثير. لكنني منذ عامين لم أضع حتى رؤوس أقلام بشيء أريده. لم يعد لدي رغبة سوى في سير الأمور كما هي عليه. لم يعد لدي سوى حلم واحد، لكنني لا أعمل لتحقيقه. هو أن أتقاعد. لكن بديوني هذه فأنا مربوط بالوظيفة حتى يطردني منها يوما مديرٌ حديثُ التعيين في نصف عمري!

إنني لا أأسف على أي شيء فعلته أو لم أفعله، وهذه هي كارثة حياتي. كل الأمور متساوية عندي. المهم أن يمر الوقت بسرعة. الشيء الوحيد، الوحيد ربما، الذي أتمناه في هذا العمر، هو لو أنني لم أكن مصابا بالسكري. إنه مَخْزَنٌ كبيرٌ للشرور. مستودَعٌ للدمار. يدس أنيابه بخفاء في كل مفاصل الحياة فيدمرها بصمت. ولكن ماذا كان سيحدث لو أنني غير مصاب بالسكري؟ ماذا كنت سأكسب؟ حسنا، لا شيء، سوى المزيد من الطعام والجعة بلا قلق أو مخاوف! (وهل هذا بالشيء اليسير؟!)

أأريد شيئا حقا؟ أجل بالطبع. أريد أن تقول ابنتي ذات يومٍ -وأنا ببطن التراب أو ما زلت على سطح الأرض- أنه كان لديها أفضل أب في العالم. أريد أن أسافر وأستمتع. أن أعيش بلا قلق الديون. أن أشاهد فيلما يأسرني ويجعلني أرتعش. أن أشرب كأسي بلا قلق من سرطان قد ينجمُ عنه! حسنا، أريد أن يكون الشغف متجددا، بحيث يكون هناك بين الفترة والأخرى تاكو جديد أعشقه. لا عن التاكو أتحدث، ولكن عن شيء أشغف به كما يشغفني حاليا تاكو بوفيه مساء الأربعاء.

"ونحنُ نحبُ الحياةَ
إذا ما استطعنا إليها سبيلا".*



*محمود درويش

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.