01 December 2014

يا شوقي لأيامي.. تسريبي وتغديبي

يا شوقي لأيامي..


في منتصف التسعينيات إلى السنوات الثلاث الأولى من القرن الحادي والعشرين، كانت حانات مسقط قليلة.
وجهة الشعراء والكتاب وبعض الفنانين الرئيسية كانت حانة تشرشل بفندق الهوليداي إن بالخوير.
روادها كانوا ثابتين.. هم أنفسهم تقريبا في كل ليلة، عدا نزلاء الفندق من السياح.
كانت هناك شلة مزعجة من الشباب تقتعد كل ليلة إحدى طاولات الحانة. ربما ذات الطاولة إن لم يسبقهم إليها أحد. عندما يسكرون يبدأون بغناء أغنية عجيبة الكلمات بصوت أجش. أحدهم كان صوته عاليا جدا ونشازا جدا ومنفرا جدا، لكنه كان يقود قطيع السكارى حين يبدأ يغني: "يا شوقي لأيامي. تسري بي وتغديبي. وأنا على سرجها.. تتحطم أعصابي".
كنت ورفاقي، ندماء الطاولة القريبة، نبدأ بالضيق من هذا النهيق. لكننا نبتلع انزعاجنا لكي لا تحدث مشكلة، ولتمر الليلة بسلام.
كان نهيق هؤلاء السكارى بأصواتهم النشاز يتعالى دوما آخر الليل بهذه الأغنية، وهي أغنية لم أكن أعرف من يغنيها.
قبل قليل..
قبل قليل فقط..
اكتشفت أنّ هذه الأغنية لميحد حمد! بمحض الصدفة وأنا أسمع أغان أخرى لميحد على اليوتيوب. إذا بأغنية (يا شوقي لأيامي) يتضح أنها لميحد! يا لها من لحظة في الحياة!
تلك الربشة آخر الليل لحفنة من السكارى في حدود عام 1998 إذا بها تعود لمسامعي دفعة واحدة. تعددت الحانات الآن وتفرق الرفاق والصحاب والأعداء، بل إن بعض الندامى قد ماتوا. وها هي الأغنية تقفز من جديد. ولمن؟ لميحد حمد، حقيقة أعرفها للمرة الأولى!
استمعت للأغنية للتو. كلماتها غريبة جدا، وجميلة. وإيقاعها غريب للغاية. لا أعرف ماذا يسمى. ولا تستحضر ذاكرتي أغنية أخرى لميحد بهذا الإيقاع.
إنه كشف من زهو الشباب ينفتح علي وأنا في الحادية والأربعين من العمر. كنت أعرف أن الأربعينيات هي النسخة المكررة بشكل أجمل من العشرينيات. نفس الرغائب والميول، ولكن بخوف أقل من المستقبل، وبتشويش أقل.
ليس لي سوى أن أترك نفسي مع (يا شوقي لأيامي). وأنا أردد مع أؤلئك السكارى المزعجين (الذين ربما أتمنى عودتهم لليلة واحدة فقط من العمر بعد غياب 15 سنة من آخر مرة أسمع فيها أصواتهم)، أردد بنحيب: يا شوقي لأيامي.. تسري بي وتغديبي.. وأنا على سرجها.. تتحطم أعصابي!


No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.