زوجي العزيز.. أريدك فاشلا محطما!
يتساءل الرجال عن تفسير لسلوك يرونه شائعا لدى النساء،
ألا وهو –ما يعتبرونه هم- اختلاقَ المشاكل في ذروة انشغالات الرجل الوظيفية
والمهنية، أو في الظروف الصعبة الطارئة مثل أن يكون الرجل منغمسا في تأسيس مشروع
جديد أو في دورة تدريبية أو، أحيانا، حتى وهو يقضي رحلة ترفيهية صغيرة نادرة
الحدوث في عطلة نهاية الأسبوع مرتب لها سلفا مع رفاقه الذكور. يتساءل الرجال عن أي
شيء ذاك الذي يجعل النساء أكثر رغبة في إفساد عملهم أو بهجتهم بمشكلة مفتعلة تحديدا
في الوقت الذي يشعرون هم فيه بالحاجة إلى التركيز فيما يعملونه وإلى دعم الشريك
لهم. يتهم الرجالُ النساءَ هنا بأنهن قاسيات وغامضات، وأن ما يفعلنه ببساطة –من
اختلاق لمشكلة في ذروة انشغالات الرجل- ما هو إلا سعي لإفساد نجاح الرجل. وما يثير
حنق الرجل وحيرته هو: أليس من المفروض أن يكون نجاحه نجاحا للعائلة كلها؟ فلماذا
إذن تُشن عليه الحرب من أقرب المقربين إليه؟
لعل الفكرة تحتاج بعض الأمثلة للإيضاح، علنا نفتت معا
تفاصيل المشهد ونعرف ماذا يجري بالضبط. هو ذا شخص اسمه "خالد" كان يسعى
لدورة تدريبية مكثفة في مجال عمله، وكان يشتكي من التجاهل في العمل من قبل رؤسائه،
ولذا عنى له شأن الحصول على الدورة شيئا مهما لإثبات الذات وفرصة للترقية. كانت
زوجة "خالد" على فهم كامل لحاجة زوجها لهكذا دورة تدريبية. وكانت في
حقيقة الأمر قد ساهمت في تشجيعه لنيل ما يريد من فم الأسد. كانت داعمة له إلى أن
جاءت الدورة التدريبية لتصبح –لاحقا- وكأنها أكثر من يتمنى إفشال الأمر! في اليوم الثالث للدورة التدريبية المكثفة التي عقدت
في مسقط وكان مقررا لها أن تستمر أسبوعا واستلزمت التركيز و"الدوام"
صباحا ومساء، بدأت الزوجة –التي تعيش في "البلد"- بالتذمر من "غياب
دعم" زوجها لها وأنه لا يعبأ بها وأنه "سبب حزنها في الحياة"! لم
يكن أي شيء قد استجد في حياتهما سوى أن أمها قد مرضت خلال تلك الفترة، وقد رأى
"خالد" الأمر في إطار العادي لأنه متوقَعٌ من كبار السن أن يمرضوا،
لاسيما أن في عائلته بعض المرضى المزمنين ومع ذلك فالحياة دائما تسير ولا تتوقف.
إلا أن مرض الحماة، على ما بدا لـ "خالد"، هو الذريعة التي اتخذتها
زوجته لخلق مشكلة أسرية أثناء خوض الزوج لتحدٍ رئيسي في حياته كان يتمنى أن تكون
زوجته خير داعم له أثناءه—على الأقل لأنها كانت تدعم الفكرة لحين تحققها!
ثمة مثال آخر يخص صديقا لي. توقف "أبو محمد"
عن التدخين. كنت أعلم أنها رغبة قديمة لديه لم تواتِه الإرادة الكاملة لتحقيقها
إلا خلال هذه الفترة. إلا أنه فاجأني بالقول: تصور إن زوجتي زعلانة عشان تركت
التدخين!
لماذا؟ (سألتُه)، فأجاب: تقول إنها زعلانة لإنها ما كانت
هي السبب وراء تركي للتدخين، وإنما كان ولدي "محمد" لإنه كل يوم يجيب لي
من المدرسة منشورات عن أضرار التدخين. أنا استحيت من ولدي وحبيت أكون قدوة حسنة.
بس المدام زعلانة. هي دومها ما يرضيها إلا إنها تكون وراء كل شيء في حياتي حتى لو
ما صحيح. ليش هذا كله؟
أما "ليش هذا كله"، فذا هو سؤال الأسئلة جميعها!
الفروقات في السلوك وأنماط التفكير وردود الفعل على
الموقف الواحد كبيرة جدا بين الرجال والنساء، وهذا ما حدا بالدكتور "دون جري"
إلى القول أن "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة"، ولكنه أيضا قال أن
التقليل من الفروقات ممكن من خلال إدراك وجودها. أي إدراك أننا حقا جنسين مختلفين
وأن استجابتنا للموقف الواحد من الطبيعي أن تكون مختلفة. بعض جوانب الاختلاف تعود
لاختلاف الجنس نفسه وما يعنيه ذلك من اختلاف وظائف الدماغ وقدراته واختلاف
الهرمونات والمركبات الكيميائية بين الذكر والأنثى. إلا أن ثمة اختلافات أخرى تلعب
فيها الثقافة والمجتمع دورا أكبر. من ضمن هذه الاختلافات رغبة المرأة في أن تكون
دوما مركز اهتمام الرجل، وأن تشعر أن لها الفضل في ما يصل إليه. وعلى النقيض من ذلك
فإن ما يطلبه الرجل هو بعض المساحة وعدم سرقة منجزاته وإعفاءه من الإحاطة بالحب
المطوِّق الخانق. إن علامة الحب التي يطلبها الرجل من المرأة هي المسافة النفسية
البسيطة لكي يستطيع التنفس، لأن الالتصاق به يقتله ويلغي فردانيته وإحساسه الغريزي
بأنه قادر على إنجاز الأشياء بنفسه. الأمر عكس ذلك بالنسبة للمرأة، فعلامة الحب
لديها هي الوصال، وأن يكون الرجل قريبا أكثر يصغي إليها. ليس هناك "صح"
أو "خطأ" في هذه المشاعر والسلوكيات. إنهما نمطان مختلفان من أنماط
التعبير عن ذات الشيء: الحاجة إلى الحب والتفهم والقبول. ولكي لا نخرج عن الموضوع
فلنجرب معا إسقاط هذه الفكرة وتطبيقها على المثالين اللذين سقناهما أعلاه. بالنسبة
لمثال "أم محمد" مع زوجها الذي ترك التدخين: يبدو لي طبيعيا جدا أن
يندهش الزوج مما طرحته زوجته. ذلك أن مشروع ترك التدخين خياره هو، وهو من نفذ
الأمر بإرادته لأسباب موضوعية معينة ساهمت في دفع الأمر للحدوث. لماذا إذن ينبغي
أن يُنسب هذا للزوجة؟ أليس في حياة هذا الرجل كائن آخر يراه ويعمل معه ويتحدث إليه
سوى زوجته؟ هل على الزوجة بهذا المعنى أن تزعم أنها هي من عيّنه في الوظيفة وأنها
سبب غزو العراق وأنها من سيحل مشكلة ظاهرة الاحتباس الحراري؟! تبدو كل هذه شطحات
قد يستغرب القارئ (لاسيما القارئات العزيزات) أنني أجلبها في هذا السياق. إلا أن
الأمر يبدو هكذا لـ "أبو محمد" لأنه قد فقد الخيط المنطقي في فهم رغبة
زوجته في "سرقة نجاحه" ونسبته إليها. ذلك ما يفكر فيه هو، وما دام الأمر
كذلك فإنه لن يبدو غريبا عليه أن تدعي زوجته أي شيء آخر مهما شطحت الأفكار، كأن
تكون هي مثلا سبب حدوث إعصار جونو ما دامت هي السبب وراء كل شيء! ما فات صديقي أن
يلاحظه هو أن زوجته مشارِكة حقيقية في مسألة توقفه عن التدخين. فهي قد احتملت
تدخينه سنوات صابرة قليلة التذمر، ولم يكن ليضيرها ان تُقدَّم لها كلمة شكر وتعبير
عن الامتنان على صبرها وتحملها تلك الرائحة العفنة في البيت. إن صفعة اللاعرفان هي
ما يفاقم الأمر، وذلك لأن التجاهل يجعل المرء مبالِغا في التمسك بحقه. كان حريا بـ
"أبو محمد" حين اتخذ قرار التوقف عن التدخين أن يبلغ زوجته عن ذلك أولا
ويطلب مساندتها في الآمر، مؤكدا لها أنه بلا دعمها فسيكون الأمر قاسيا عليه. وكان
عليه أيضا أن يشكرها على تحملها لتدخينه. من المؤكد أن ردة فعل "أم محمد"
كانت ستختلف وستقول له: "أنت قادر على فعل ذلك. أثق بقوة إرادتك لأنك دائما
مثابر وعزيمتك قوية، وهو أمر ستتغلب عليه بمقدرتك لأنك قادر على فعله". لكن
ذلك لم يحصل، لا صديقي شكر زوجته وأطلعها على الأمر مسبقا، ولا هي شدت على يديه،
بل هي تجاهلت مشروع توقفه عن التدخين لأنه قرار فردي تم تجاهلها في اتخاذه. إن
المشكلة هي أننا حقا من كوكبين منفصلين، ولن يعرف أحد ما يريده الآخر أو كيف يتصرف
الآخر. على أية حال فإن ما حدث على أرض الواقع هو عودة "أبو محمد"
للتدخين (وأراهن أن أحد أسباب ذلك هو أنه قد فهم أن زوجته غير داعمة له ولا ترى أن
ما قام به يستحق الاهتمام والتقدير)، ومن المؤكد أن "أم محمد" قد شعرت بالأسف
على عودة زوجها للتدخين، وهو أسف لن يفهم صديقي سببه بل سيقول: "لا التوقف عن
التدخين عاجبنك ولا الرجوع إليه عاجبنك، شو يعجبك بالضبط؟"! إن المؤسف حقا هو
أننا نستخدم لغتين للتعبير. فلا "أم محمد" تتمنى زوجها مدخنا ولا هو يحب
أن يبقى مدخنا، لكن سوء التفاهم هو ما قاد إلى خلق المشكلة.
المشكلة الأكبر هي لدى صاحبنا "خالد" الذي
يخوض دورة تدريبية مكثفة صعبة في مسقط، فيما تخبره زوجته في "البلد"
أنها "تفتقد دعمه وأن هذا يسبب لها الحزن". لم يستطع خالد أن يفكر في
هذا إلا باعتباره هجوما موجها ضده بلا سبب وفي وقت حرج جدا يحتاج فيه إلى التركيز
الكامل لينجح ويثبت ذاته. خالد لا يفهم لماذا هو مُدان وما المطلوب منه. لقد فهم
أن حالة والدة زوجته مستقرة، ولذا لم يأتِ فورا من مسقط تاركا الدورة التي حلم بها
وسعى إليها طويلا. إن ما يراه "خالد" أنه الآن يتم عقابه لأنه يريد
تحقيق وضع أسري أفضل له ولزوجته وأبنائه. تشوّش ذهن خالد واستحضر حالات سابقة تم
فيها تأنيبه لأنه يقوم بالشيء الصح. ولأنه كان وحيدا في مسقط فقد طلب تفسيرا من
أصدقائه هناك، إلا أن الجميع أكدوا له أن "النساء دائما هكذا، ناكرات للجميل
وخالقات للمشاكل في اللحظات الحرجة. وعليك أن تتعايش مع هذا كواقع إذا كنت تريد
لحياتك الزوجية أن تستمر".
لم يفهم "خالد" الموقف كاملا بعد، ووقت الدورة
المكثفة لديه لا يسمح له بالفهم، لكن كل ما يعرفه أنه قد تم إزعاجه لسبب لا يفهمه،
وأن التذمرات كان بإمكانها أن تنتظر حتى يعود للقرية في عطلة نهاية الأسبوع. كل ما
فهمه خالد إلى الآن أن زوجته التي تحبه لا تمانع في ذات الوقت أن تكون مصدر
متاعبه. لا شك ان في الأمر خللا أو شيئا غير مفهوما، لأن هذا التناقض غير مقبول
منطقيا.
لا يزال خالد يتساءل أين الخلل. ونحن معه أيضا. إلا أنّ
ما نعرفه هو أن الصورة لا تزال ناقصة، فنحن لم نسمع صوت زوجته وزاوية نظرها للأمر.
وإلى أن يحدث ذلك فلا ندري إلى أية درجة من السوء سيصل الأمر بخالد، فكل ما نعرفه
عنه أنه قد أغلق هاتفه لأنه لا يريد إزعاجا حتى نهاية الأسبوع. لاشك أن
"خالد" وزوجته بحاجة للمساعدة الآن لفهم ما يجري. فهل تستطيعون مد يد
العون لهما؟ إن كان ثمة من يستطيع المساعدة فليتواصل معي بالرأي والتعليق، وإلا
فلينتظر تتمة الحكاية في العدد القادم إن استجد فيها جديد!
*كُتبت في 30 يناير 2008، و نُشرت في وقتها في مجلة الرؤيا الشهرية.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.