العيد والدب البُني!
توضح مناسبات شهر رمضان والعيدين (الفطر والأضحى) أن الناس يقومون بجملة
ممارسات تقودهم إلى كثرة التردد على المستشفيات خلال تلك الفترة. معظم الحالات
المرضية التي تستقبلها المؤسسات الصحية خلال هاتين المناسبتين مرتبط بنتائج
الإسراف في تناول الأطعمة، من آلام وانتفاخات في المعدة واضطرابات في الهضم وحالات
غثيان وقيء وصداع ناجم عن عدم تنسيق الأوقات التي يتم فيها تناول الوجبات، فضلا عن
ارتفاع ضغط الدم الفجائي لدى البعض –لاسيما أيام الأعياد- لكثرة تناول اللحوم
الدسمة. ومع أن الناس يدركون أنّ ما يصيبهم مرتبط بتغذيتهم اللاحمة والشرهة جدا
خلال هذه المناسبات والفترات، إلا أنهم لا يفعلون الكثير للتعلم من تجاربهم، إذ
توجد قناعات أن هذه "الوعكات الصحية" هي ضريبة الفرح والابتهاج! إن
استمرار هذه القناعات على هذا النحو عاما بعد عام هو دليل فعلي على ضعف الوعي لدى
الأفراد بقضاياهم الصحية، وبما تلعبه التغذية من دور كبير في الحفاظ على صحة الناس
أو الإساءة إليها وتسريع تدهورها.
لا ألوم الناس تماما حين يأكلون فوق طاقتهم خلال ليالي شهر رمضان –وهذا لا
يعني أنني أتفق مع مسلكهم-، ولكني أرى في الأمر ردة فعل طبيعية للجسم بعد قضاء
ساعات طويلة بلا طعام، إذ يكون الجسم بحاجة إلى تعويض ما فاته خلال تلك الساعات من
أغذية –تتحول إلى جلوكوز- لتمنحه الطاقة التي يحتاج إليها للحركة والحياة. وإذا لم
يكن هناك شيء يُمكن فعله إزاء مسألة الصوم، فإنه على الأقل على المرء أن يجتهد
كثيرا في تنظيم طعامه خلال الليل، وذلك عن طريق خطوات بسيطة منها أن يفطر إفطارا
خفيفا ثم يرتاح ساعة حتى تبدأ المعدة تستعد مجددا لفكرة استقبال الطعام وهضمه
بمختلف الأنزيمات التي تفرزها. وأنْ يكون طعامه بقية الليل خفيفا، وأن تكون وجبة
السحور هي الأخرى خفيفة لا تتضمن مطلقا الرز واللحم. لكن ما يفعله غالبية الناس
عكس ذلك، إذ يتحول كثير منهم –مدفوعون بغريزة دفاع الجسد عن ذاته إزاء نقص التغذية
الحاد الذي يتعرض له خلال النهار-، يتحولون إلى ما يشبه أسراب الجراد في التهام
الأخضر واليابس، وينتهي المطاف بكثير منهم إلى المستشفيات التماسا للعلاج مما
أحدثه في أجسادهم هذا التزود الفجائي بقدر كبير جدا من الطعام.
يتكرر الأمر، بصورة أكثر تكثيفا وسوءا، خلال أيام العيد الثلاثة أو الأربعة
(وفقا للولايات)، وكلما طالت أيام العيد وإجازته كانت المشاكل الصحية أسوأ. فلنقل
أن رجلا يزن حوالي 100 كيلو جرام، فإن وزن هذا الشخص يحتاج يوميا إلى حوالي 80
جراما من البروتين يمكن أن يحصل عليها من اللحوم الحمراء والبيضاء والأجبان والبيض
والأسماك والمكسرات وبعض البقوليات مثل الفول. ولنعلم أن شريحة لحم وزنها 100 جرام
تتضمن حوالي 42 جراما من البروتين، والبقية ألياف وماء ودهون. شريحة لحم ذات 100
جرام كافية كحصة يومية من البروتين لشخص يزن 100 كيلو جرام، لأنه سيأكل إلى جوارها
البيض للإفطار والفول للعشاء وغيرها من الأغذية التي تُوفر له نسبة البروتين
المطلوبة. لكن ما يحدث في عمان أيام العيد هو أن الفرد العماني –لاسيما الرجال-
يأكل في اليوم الواحد عشرة أضعاف حاجة جسمه من البروتين، وحوالي خمسين ضعفا أو
أكثر من حاجة جسمه من السكريات. سأقول حقيقة علمية صادمة: أيام العيد، يأكل الرجل
العماني في المتوسط –في اليوم الواحد- ربع التغذية اليومية التي يأكلها دب جريزلي
البني (دب ألاسكا الأسمر) حين يكون في ذروة ملء جسمه بالطعام وتخزين الدهون
استعدادا لبيات شتوي طويل يدوم أكثر من ستة أشهر لا يأكل الدب خلالها شيئا ويستهلك
–ليبقى حيا- مخزونَه من الدهون التي أكلها خلال فترة الصيف والخريف. وزن الدب
الأسمر هو ثلاثة أضعاف وزن رجل عماني معياري، وهو يأكل كثيرا لأنه سيبقى ستة أشهر
كاملة أو أكثر قليلا بلا طعام، فيما يأكل الكثيرون منا ربع ما يأكله في اليوم
الواحد خلال فترة أيام العيد الأربعة! لو حسبناها بلغة السعرات الحرارية فإن
استهلاك الرجل العماني المعياري في اليوم الواحد من الغذاء المكون أساسا من اللحم
المُشحِم والحلويات هو حوالي 5000 سعرة حرارية في كل يوم من أيام العيد غنية
بدهونها الضارة، أما دب جريزلي فيستهلك 20000 سعرة من سمك السالمون الغني بدهونه
الحميدة! إننا لا نأكل فقط ربع ما يأكله حيوان يفوقنا في الوزن ثلاثة أضعاف ويستعد
لصومٍ ليلَ نهارَ لمدة ستة أشهر، ولكنّ بعضنا يتفوق عليه في أننا نكنز أجسادَنا
بالدهون الضارة والمشبعة فيما يكنز هو جسمه بالدهون الحميدة! لو كان هؤلاء دببة
لما امتلأت مستشفياتنا بكل هذا العدد من المرضى خلال أيام الأعياد وشهر رمضان!
إنها المفارقة الصادمة التي علينا أن نواجهها بشجاعة لكي لا نلقي كل اللوم في زيادة
الحالات المرضية على الحكومة، إذ كيف يمكن مساعدة من لا يريد مساعدة نفسه؟!
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.