يوميات رجل سعيد
أنت تؤمن أنك سعيد، إذن فليسعدك الرب أكثر وأكثر.
تستيقظ على لذعة برد خفيفة من النوع الذي تحبه. النوع
المحفّز لا المثبّط. النوع الذي تريد لأجله أن تنهض من السرير، لا أن تتدثر
باللحاف أكثر وتستغرق أطولَ مختبئا تحته. تحفزك زاوية صغيرة مفتوحة بالمنزل كي
تهرع إليها لتشم هواء نقيا عذبا، هواءً لطيفا. وتفكر، "كم ستكون حياتي أجمل
بعد بضع سنوات من الآن عندما أتقاعد، فيكون لدي المجال لأستمتع بصباحاتي بالطريقة
التي أريد".
هذه الأيام أنت تعيش عينة مبكرة لمستقبلك كمتقاعد، فأنت
في إجازة سنوية. لا تشعر بالفراغ مطلقا، إذ لا يخلو يومك من مشاوير وارتباطات
لتنجزها، بل إنك تشعر أحيانا أن الأربعة والعشرين ساعة ليست كافية لما تود القيام
به. مشاوير للبيت والعائلة ولنفسك ومع الأصدقاء. ووقت للكتابة والقراءة، والبحث عن
فرص تنفيذ أعمال خارجية متقطعة تزوّد بها دخلك لتنفق بسخاء على ملذات حياتك—وليس
على الأساسيات. لم تعد قلقا بخصوص الأساسيات مثلما كنتَ وأنت في العشرينيات من
عمرك. لديك الكثير مما يمكن أن تبدأ به صباحا بهيا، إذ يمكن لك الذهاب لمقهى مفتوح
لتجرب شايا عطريا. أو تبدأ يومك بكتابة مقالة وجدانية لمدونتك أو استكمال قراءة
رواية جيدة كنتَ بدأتَ بها البارحة. أو مشاهدة فيلم خلاق من ثمار السينما اليانعة
الشهية التي تبدعها أنبل عقول البشرية من الرائين. كما أنه لديك (سنابتشات) يمكن أن تبدأ به صباحك. تطبيقٌ
لا تمل من التلصص فيه على حيوات بشر من مختلف البلدان واللغات أذنوا لك بمتابعة
وقائع أيامهم، ومعظم ما يبثونه لحظات بهيجة مملوءة بالمرح و الغشمرة. بل لديك –في
سِنابِك- حتى فاطمة النبهانية، لاعبة التنس الدولية التي تعتبرها بطلةً شخصيةً لك
منذ ما قبل حملتها ضد أكياس البلاستيك، هذه الحملة التي جعلَتها أعلى شأنا في نظرك
لأنها جاءت في وقت لا يعير فيه الكثيرون أي شأن للقضايا البيئية. كم كانت فاطمةٌ
بعيدة، والآن هي في سنابتشات الخاص بك وترى يوميا طلتها الحلوة وابتسامتها الساحرة
وتسريحة شعرها المتموج التي تدعو ربك ألا تغيّرها في يوم من الأيام، فهي علامتها
الجمالية الخاصة وماركتها المسجلة. ألا يكفيك قُربُ النبهانية (الموجودة على راحة
يدك) –يا عاشق الضحى في الهواء الطلق- لتكون سعيدا؟ فديتك أيها الحالم المتواضع!
* * *
تجلس لتخطط للقاء يجمع الرفاق، ليتعارفوا، ليتحابوا،
ليتعاضدوا ضد قسوة الحياة. حياتك لا معنى لها دون أن يكون أحبابك حولك. لا تحتاج
سوى لبضعة اتصالات لتدعوهم ليلتقوا، ثم الكثير من الصلاة لتسمح ظروفهم باللقاء.
تعلم أنهم سيستمتعون معا، وستستمتع بوجودك بينهم. وبينما أنت تفكر فيهم يباغتك
أحدهم برسالة ليدعوك بـ "يا أطيب قلب". تبتهج بالطبع، وتدرك أنه عليك أن
تصلي في هذه اللحظة بالذات حتى لا يعتذر أحد عن اللقاء.
هناك تحضُرُ الضحكاتُ والموسيقى، ويأتي البوح الحميم.
ولن تكون الرؤوس مشغولة بالتفكير في أزمة هبوط أسعار النفط وخطط التقشف التي –حتما-
ستطال الجميع. لن يكون أحد معنيا بعالم الجشعين وصراعاتهم، فذاك ليس الوقت المناسب
ليتذكر فيه الضحايا أنهم ضحايا. إنه الوقت الأنسب ليعلو فيه الطيبون على فكرة
الظلم. ليصعدوا بأرواحهم إلى سماوات توحدهم جميعا كبشر نبلاء أطيابا خيّرين ولا
شيء آخر. قد يأتون في الحديث على ذكر بعضٍ مما يزعجهم أو يؤرقهم. هذا طبيعي تماما.
إنها وسيلة للاستشفاء. لرمي المكابدة جانبا لبعض الوقت، فما إنْ يبوح المرءُ بما
يزعجه حتى يصبح قادرا على خطو خطوة للأمام بكاهل أكثر تخففا. لا بأس يا أشقّاء
الروح إن جئنا على ذكر ما نقاسيه، فنحن هنا لنتعاضد. ها إني أرى أحدهم سرعان ما يطرح
نكتة، أو تدندن فتاة مقطعا من أغنية عاطفية تحبها، أو يتنهد إنسان زافرا ذكرى
قديمة يشعر في تلك الحظة، في تلك اللحظة فحسب، أنها باتت أقل إيلاما. ها أني أرانا
نضحك، نستخرج الطفل الذي لم يكبر بعد بداخلنا، ونتوجه للطفلة الفعلية الوحيدة –بحسابات
العُمر- الموجودة معنا في جلستنا و نكبُر حتى نكون أطفالا مثلها. ها نحن نلاطفها.
ها هي تستمتع مثلنا، فهي لا تحظى دوما بكل هذا التجمع من الأرواح الطفولية حولها.
ها أننا جميعا في عمر واحد. إننا أطفال الفرح و أبناء اللحظات السعيدة.
* * *
أيتها الأرواح عيشي طفولتك دائما، ولا تكبري أبدا.
الصباحُ طفولةُ اليوم. رضيعُ النورِ البرئ، الحابي نحو
الرشاقة والعطاء.
هو الطفل الذي لا يعرف إلا اللعب والاكتشاف.
هو الطفل الذي يعصم الأرواح من التكلس أو التخشب،
فيمنحها قبسا من براءته.
أيتها الأرواح كوني دائما طفلة. مشعة بالحياة وعشبُ خطاكِ
مُخضَرٌ بالفرح والمحبة.
التقِ يا أرواحُ وقتما تشائين، فلقياكِ صبح. ولتهنأ أنت
يا عاشقَ الضحى في الهواء الطلق، حيث لن يعرف يومُك كلُّه سوى جذل الطفولة و
كركراتها الصافية.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.