الكُتب العشرة الأكثر تأثيرا
يَتداول
مجموعة من أصدقائي وأصدقاء أصدقائي في الفيسبوك هذه الأيام "لعبةَ"
(أكثر عشرة كُتب أثّرتْ فيك). أيْ أنْ تذكر أسماء أكثر عشرة كتب تعتقد أنها أثرت
فيك، وأسماء مؤلفيها، ثم تدعو واحدا من أصدقائك ليدلو بدلوه عن الكتب العشرة المؤثرة
فيه، وهكذا تستمر "اللعبة". تابعتُ لغاية الآن القوائم التي أعدها حوالي
7 أشخاص ممن شاركوا في هذه "اللعبة"، وبدوري شاركتُ بكتبي العشرة المؤثرة.
الذي لفت نظري بخصوص قائمتي الشخصية للكتب العشرة الأكثر تأثيرا فيّ، أنني قرأتها جميعا
قبل سنوات طويلة. بعضها قرأته منذ أيام المرحلة الإعدادية في المدرسة (عندما كان
عمري 16 عاما تقريبا)، وبعضها يرجع لأيام الجامعة، ولا شيء أبدا للفترة من سنة
2000 فما فوق! فما السبب يا ترى؟
يبدو
لي أنّ أكثر الكتب تأثيرا في حياتنا هي التي نقرأها في سن باكرة. شخصيا بدأتُ
القراءة في فترة المراهقة، عندما كان عمري 13 أو 14 عاما، وليس في فترة الطفولة.
طفولتي كانت بلا مكتبات، ولم يكن والداي يقرءان لي (حكاية ما قبل النوم) كما أفعل
الآن كل ليلة مع طفلتي (أنا أو أمها. لكنْ لابد أنْ يفعل أحدنا ذلك). كان ذلك
زمانا مختلفا، فنحن أصلا كنا ننام بلا كهرباء. مكتبة المدرسة إذن كانت نافذتي
الأولى على عالم الكتب. لن أستطيع أن أستعيد الآن أسماء أول عشرة كتب قرأتها، لكنْ
من أوائل الكتب التي أتذكر أني قرأتها كانت رواية "يوم عادت الملكة
القديمة"، وهي رواية صغيرة للناشئة من تأليف صنع الله إبراهيم. ولاحقا في فترة
الجامعة، عندما قرأتُ روايات صنع الله إبراهيم الأخرى مثل (اللجنة) و (ذات) لم أكن
مدركا أن هذا الكاتب الكبير هو نفسه مَن قرأت له في مراهقتي تلك الرواية المثيرة.
"يوم عادت الملكة القديمة" هي رواية عن عالم النحل بأسلوب قصصي شيق.
فيها معلومات علمية مصاغة بأسلوب سردي، ولعلي لم أقرأ مثلها لغاية الآن. وكانت
بالنسبة لي تمثل تحديا كونها "أضخم" كتاب أقرأه في ذلك الوقت. وكانت غير
مصوّرة، لذا شكّل إتمامي لقراءتها تشجيعا كبيرا لي. فقد شعرتُ أن الكتب الضخمة
ليست مخيفة، وأنه بإمكاني قراءة أي كتاب! لكن هذه الرواية لم تترك تأثيرا فكريا
عليّ فيما أحسب، إلا إذا كان ذلك في مستوى لا واعٍ قد يلاحظه غيري لكني لا أستطيع
ملاحظته.
المسرح
كان هو ما استهواني منذ البداية. توفيق الحكيم أسرني تماما لسنوات وسنوات. وكذا
بعض أعمال علي أحمد باكثير. جربت أيضا بعض أعمال طه حسين، كـ "المعذبون في
الأرض". ثم خطفني الدكتور مصطفى محمود لاسيما في عملين اثنين كانا متاحين
بمكتبة منزلنا. هما: رواية "العنكبوت" و مسرحية "الشيطان يسكن في
بيتنا". الأخيرة هي مسرحية عن الفساد الأخلاقي الذي استشرى في أحد المجتمعات،
لكن فجأة يجئ يوم القيامة في غمضة عين، فيتأزم الناس ولا يعرفون كيف يخرجون من
الخراب الذي هم فيه لينجوا بحياتهم من هول هذا اليوم. الجاذب في الأمر هو الخيال
المجنح للمسرحية (كما بدا لعقلي آنذاك)، ووصف الديكور الذي جعل خيالي يحلق بعيدا
في إمكانية تنفيذه على الخشبة. لقد قرأت هذا العمل أكثر من مرة حتى حفظتُ حوارات
كاملة منه، وقد تركتْ هذه المسرحية تأثيرها عليّ في كتاباتي الأولى، حيث كانت
بدايتي مع كتابة مسلسلات بالعامية المصرية تحاكي الدراما التي يعرضها التليفزيون.
كتبتُ أيضا في البداية القصة القصيرة، والمسرحية، وطرقت باب الشعر العمودي. لم أر
هذا الكتاب منذ أكثر من 20 سنة. لا أعرف أين ذهب أو مَن مِن الأطفال قد مزقه في
منزل عائلتنا الكبير! أما رواية "العنكبوت" فكانت هي الأخرى عملا موغلا
في الخيال، و مخيفا بعض الشئ. الكلمة الإنجليزية creepy هي الأدق
لوصفه. الرواية عن طبيب يخترع "إكسير الحياة". سائل تأخذه بحقنة في
الوريد، ثم ينقلك إلى حياة أخرى كاملة. إنه مثل مسألة "تناسخ الأرواح"
ولكن عبر حقنة في الوريد. ويا لها من حيوات عجيبة تلك التي عاشها هذا الطبيب، ففي
إحداها كان ثورا في مزرعة! الرواية غريبة مثل عوالم أفلام التعبيرية الألمانية.
ولكنْ الآن.... الآن.. الآن لا أستطيع أنْ أقرأ سطرا واحدا للكاتب شديد الرداءة
المدعو الدكتور مصطفى محمود. إنه أحد رموز التخلف بالنسبة لي. كاتب سطحي، وفوق كذا
هو شخص وصولي متخلف ومنحط أخلاقيا. ورجل مؤمن بالخرافات والدجل. هو قطعا شخص لا
أتمنى لابنتي أنْ تقرأ له سطرا واحدا! إنّ المفارقة أنّ مصطفى محمود هو الاسم
الأكثر تكرارا في قوائم الكتب السبع التي اطلعت عليها لأصدقائي وأصدقاء أصدقائي!
يبدو
أننا نتأثر أكثر بالكتب التي نقرأها في سنوات حياتنا الأولى. هناك أشخاص ممن هم في
مثل عمري تأثروا بنفس المؤلِفين الذين تأثرتُ ببعض كتبهم، ومنهم مصطفى محمود و
مصطفى لطفي المنفلوطي. هذا مفهوم لأن هذه هي الكتب التي كانت تحتضنها مكتبات
المدرسة في مراهقتنا، ولم يكن لدينا سوى مكتبات المدارس. جيل اليوم –ممن شاركوا في
"اللعبة"، ممن هم في النصف الأول من العشرينيات من أعمارهم- أبدوا
تأثرهم بنوع آخر من الكُتاب.. تأثروا بكتّاب لم نسمع أصلا عن بعضهم ونحن في
أعمارهم. هم متأثرون، إجمالا، بالكتب التي يمكن تصنيفها عموما ككتب وجودية. كتب تُعنى
بأزمة الإنسان الفرد في المجتمع. من أبرز الكتب التي تشكل عالما مشتركا "تأثر
به" القراء الشباب اليوم كتاب "اللامنتمي" لكولن ويلسون، و رواية
"الغريب" لألبير كامو، وأعمال أدبية وفكرية أخرى تتناول صراع الفرد مع
محيطه اللصيق الذي لا يستطيع أنْ ينتمي إليه. لا يحتاج المرء فراسة كبيرة ليستخلص
من قائمة هذه "الكتب المؤثرة" في جيل الشباب عدة خلاصات منها: أن الكتب
المتوفرة اليوم للشباب لم تعد هي تلك المجموعة الضيقة التي كانت تحتويها مكتبة
المدرسة في الماضي (المصدر الوحيد للكتب)؛ فالشباب اليوم يقرؤون الكتاب الإلكتروني
على أجهزتهم اللوحية. الشيء الثاني أنّ الشباب مشغولون بسؤال الوجود حقا. أيْ سؤال
الفرد في مواجهة الجماعة. أو الفرد في عالم مدني مطوق بسياج القبيلة المكهرب. سؤال
الفرد الذي يعيش في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت وسمائها المفتوحة،
هذا من ناحية "افتراضية"، ولكنه يعيش أيضا في سجن العادات والتقاليد وقوانين
الأسرة التقليدية الصارمة.
هل
ما نقرأه في أول العمر هو أكثر ما سيؤثر فينا لبقية العمر؟ أحيانا هذا صحيح. فهو
سيؤثر في أساليبنا في التفكير وألواننا الفنية التي سننتهجها لو أصبحنا كتّابا
وفنانين وشعراء ومخرجين. لكن هذا ليس كل شيء، فالوعي عند النضج له قوة أخرى معادلة
لتأثير ما نتلقاه في الطفولة، وسيكون بإمكاننا دائما تعديل مسار سفينتنا إلى
الوجهة التي نريد عندما نمتلك وعيا في مرحلة النضج العمري. غير أنني أتساءل الآن:
ما الذي ستتركه قصة "ليلى والذئب" حقا في نفس طفلتي عندما تكبر؟ إنها
قصتها المفضلة، وقد قرأناها لها أنا وأمها مئات المرات في آخر سنتين (بناءً على
طلبها المتكرر). سأنتظر لأرى، وعسى أن أعيش لذلك اليوم حتى أجد جوابا لسؤالي!
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.