اليوم الأحد.. أبرز مهامي لهذا اليوم هو إقناع ابنتي بأخذ تطعيم (التيتانوس و الدفتيريا) والذي سيتم في مدرستها بعد سويعات.
مع مطلع العام الدراسي الحالي نقلتُ ابنتي إلى مدرسة جديدة، وقد ابتدأوا الدراسة عن بعد منذ أكثر من 3 أشهر، لكنها لم تر مدرستها لغاية الآن! أول زيارة للمدرسة ستكون اليوم، لأجل التطعيم المقرر –وفقا لخطط وزارة الصحة- لطلاب الصف السادس. أحاول إغراءها بفكرة زيارة المدرسة لأول مرة وأن المدرسة جميلة، وأننا بعد التطعيم سنذهب للغداء بالخارج ونتناول إحدى وجباتها المفضلة التي لم تأكلها منذ أشهر (وجبة دجاج سيزلر.. هذا اللي يطلّع دخان كثيف من الطبق). هل ستنجح هذه الحيلة؟
في طفولتي ومراهقتي، مع بدايات نهضة السبعينيات في بلادنا، كان التطعيم شيئا جديدا وغامضا. كانوا يأتون للقرى ويجمعوننا في الساحات العامة في الأسواق. من هم؟ لم نكن نعرف وقتها سوى أن (الحكومة راسلتنهم). هل هم أطياب أم أخيار لا ندري. لكن ما يقومون به مؤكد أنه شيء شرير. كان التطعيم بدارجة قريتي يسمى (تشمتير)، وهي تسمية استخدِمت في سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن العشرين. الكلمة لوحدها كانت تثير في نفسي الخوف (قبل تعرضي لأول تطعيم). فكنت أتخيل أن التشمتير هو شيء أشبه بتخديش وتجريح عضلة الكتف بأداة تشبه مشطا معدنيا له ثلاثة أسنان. كل ما كنا نعرفه أن (التشمتير) يتم على الكتف. لذا، وعندما كنت في السادس الابتدائي، وكنت تقريبا في عمر ابنتي الحالي، هربت من المدرسة عندما علمنا أن جماعة الحكومة قد أتوا للتشمتير. كان ذلك قبل 36 سنة. لذا فأنا لغاية الآن غير مطعم ضد التيتانوس و الدفتيريا، ولو قررت السفر لإحدى البلدان التي لا يزال ينشط بها هذان المرضان فإنه يتوجب علي أخذ التطعيم قبل السفر بعدة أشهر.
أهو أمر غريب أن يمتد الخوف من التطعيم عبر الأجيال، أم لا يوجد في الأمر ما يثير الاستغراب؟ لست متأكدا حقا. ولكن الذي أتذكره، أن زيارات جماعة الحكومة (ولم يكن بينهم ممرضون عمانيون لندرة الأطباء والممرضين العمانيين في تلك الحقبة)—كانت تلك تجربة مخيفة. سوف يشمتروننا ويخدّشون عضلة أكتافنا ويسيل منها الدم! سويعات وسأرى كيف سيسير الامر مع طفلتي على أرض الواقع هذا اليوم. متمنيا لها أن تحظى بذكرى أفضل من ذكرياتي عن هذا الأمر.
هل من يتذكر تجارب تطعيمه الأولى، لعله يود أن يشاركنا جزءا من هذه الذكريات؟